
محرر الشؤون الدولية
اَفاق نيوز – ليس ملف أملاك منظمة التحرير الفلسطينية ملفًا عابرًا في التاريخ السياسي الفلسطيني، بل أحد أكثر الملفات حساسية وخطورة، لأنه يتقاطع مباشرة مع المال العام، وحقوق الشعب الفلسطيني، وشرعية التصرّف بأصول تراكمت عبر عقود طويلة بوصفها رصيدًا وطنيًا لا ملكًا شخصيًا ولا سياسيًا. ومع ذلك، يعود هذا الملف اليوم إلى الواجهة محاطًا بالغموض، ومحمّلًا بتصريحات داخلية صادمة، وأسئلة لا تجد طريقها إلى إجابات رسمية واضحة.
الجدل لم يُفتح هذه المرة من خصوم خارجيين أو أطراف معادية، بل من داخل حركة فتح نفسها، عبر تصريحات منسوبة إلى سميح خلف، وهو قيادي معروف بمواقفه الناقدة لنهج القيادة الحالية، وبتناوله المتكرر لملفات الإصلاح والحوكمة والفساد داخل البنية السياسية الفلسطينية. خلف لم يقدّم نفسه كقاضٍ يصدر أحكامًا، بل كطرف يطرح أسئلة قال إنها تستند إلى معطيات وتقارير متداولة.
بحسب ما نُقل عنه، فإن لجنة جرى تكليفها بحصر والتصرف في أملاك منظمة التحرير الفلسطينية، يرأسها ياسر محمود عباس، نجل محمود عباس، وهو ما فجّر موجة تساؤلات واسعة حول معايير التكليف، وحدود تضارب المصالح، وإمكانية الفصل بين القرابة السياسية وإدارة المال العام.
ووفق التصريحات المتداولة، فإن هذا الملف يشمل ما يقارب ألفي عقار في بيروت وضواحيها وجنوب لبنان، وهي أصول عقارية ذات قيمة مالية مرتفعة، تُعد من ممتلكات منظمة التحرير الفلسطينية، أي من أملاك الشعب الفلسطيني، ما يفرض – وفق منطق الدولة والمؤسسات – خضوعها لرقابة صارمة، وشفافية كاملة، وإعلان واضح عن آليات التصرف بعائداتها.
في السياق نفسه، برز اسم أشرف دبور، وهو دبلوماسي تولى موقعًا رسميًا حساسًا لسنوات. دبور، بحسب ما نُشر إعلاميًا، كان من أوائل من أثاروا اعتراضات على طريقة إدارة هذا الملف، متحدثًا عن بيع بعض العقارات بأسعار أقل من قيمتها السوقية، وعن ضغوط مورست عليه، بل وحديثه عن عرض رشوة مالية كبيرة، وهي روايات لم تُقابل حتى الآن بإعلان نتائج تحقيق رسمي يُثبتها أو ينفيها.
اللافت في هذا الملف، كما يطرحه خلف ودبور وتقارير أخرى، ليس فقط مسألة البيع، بل غياب الصورة الكاملة. فالتقارير تشير إلى أن عددًا من هذه العقارات مسجل بأسماء أفراد، لا باسم منظمة التحرير الفلسطينية رسميًا، ما يخلق إشكاليات قانونية ومالية عميقة، ويطرح سؤالًا جوهريًا: من يملك حق التصرف؟ ومن يملك حق الرقابة؟ وأين تقف المؤسسات المفترض أنها حارسة للمال العام؟
ويتوسع الجدل أكثر عند الربط بين هذا الملف والنشاط التجاري المنسوب إلى ياسر محمود عباس، حيث تتحدث تقارير إعلامية عن شبكة شركات تعمل في قطاعات حيوية، من المقاولات والاتصالات إلى التأمين والطاقة واحتكار بيع السجائر، إضافة إلى ارتباط بعض هذه الشركات بعقود ومشاريع ممولة من المال العام أو من مساعدات دولية. هذه المعطيات، كما وردت في التقارير، لا تُطرح كإدانة، بل كأسئلة مشروعة حول حدود الفصل بين الصفة الخاصة والنفوذ السياسي.
ولا يقف الأمر عند لبنان، إذ تتحدث التصريحات المتداولة عن أملاك أخرى لمنظمة التحرير الفلسطينية في دول عربية وأوروبية، من بينها الأردن وسوريا، وسط غياب بيانات منشورة توضح حجم هذه الأملاك، وقيمتها، وعائداتها، والجهات التي تشرف عليها، في وقت يُفترض فيه أن هذه الأصول تشكل رافعة مالية وطنية لا صندوقًا مغلقًا.
كل ذلك يجري في سياق فلسطيني مأزوم، يتسم بغياب المجلس التشريعي الفلسطيني، وتعطّل أطر رقابية داخل منظمة التحرير وحركة فتح، ما يجعل ملفات المال العام، بحسب منتقدين، بلا حارس فعلي، وبلا مساءلة مؤسسية، ويحوّل الأسئلة إلى عبء ثقيل على الثقة العامة.
وحتى لحظة إعداد هذا المقال، لم يصدر أي رد رسمي من الرئاسة الفلسطينية أو من ياسر محمود عباس يوضح حقيقة ما أُثير، كما لم تُنشر تقارير تدقيق مالية مستقلة أو بيانات رسمية تفصيلية تُغلق هذا الملف أمام الرأي العام.
في النهاية، لا يُطرح هذا الملف كاتهام، بل كسؤال وطني مفتوح: إذا كانت أملاك منظمة التحرير الفلسطينية هي أملاك الشعب الفلسطيني، فمن يملك حق التصرف بها؟ ومن يراقب؟ ولماذا يُدار هذا الملف خلف ستار كثيف من الغموض؟ أسئلة تبقى معلّقة، إلى أن تُفتح الملفات كاملة، أو يُترك الجدل يتآكل الثقة بصمت.








