
عماد الشبار
منذ أن أطلت على شاشة التلفزيون الأردني في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، شكّلت إيمان بكر ظاظا حالة إعلامية خاصة، استطاعت أن تجمع بين الثقافة والحضور، وبين الهدوء المهني والقدرة على التواصل بصدق مع الناس. فهي من ذلك الجيل الذي أسّس لبدايات الإعلام الأردني الحديث، وأرسى مع زملائها من المذيعين والمذيعات تقاليد مهنية رصينة ما زالت تُدرّس وتُستذكر حتى اليوم.
التحقت إيمان ظاظا بالعمل في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية عام 1987، في فترة كان فيها الإعلام الأردني يعيش مرحلة ازدهار وتوسع في برامجه وإنتاجه المحلي. وكان مدير عام المؤسسة حينذاك عطوفة نصوح المجالي، الذي فتح الباب أمام طاقات إعلامية جديدة أثبتت حضورها وجدارتها سريعًا.
منذ يومها الأول أمام الكاميرا، لفتت ايمان ظاظا الأنظار بقدرتها على الدمج بين البساطة والأناقة، وبصوتها الواثق الذي يحمل دفئًا خاصًا جعل المشاهد يشعر بقربها. كانت مذيعة برامج من الطراز الرفيع، تحمل في أدائها نضجًا وصدقًا لا يتكلفان.
قدّمت الإعلامية إيمان ظاظا خلال مسيرتها الطويلة عشرات البرامج التلفزيونية التي شكّلت علامات فارقة في ذاكرة المشاهد الأردني والعربي، وتميّزت بتنوّع موضوعاتها بين الاجتماعي والثقافي والوطني. وكان أول برامجها “مع الشباب” الذي تناول قضايا الجيل الجديد وطموحاته، لتتوالى بعدها سلسلة من التجارب الإعلامية الناجحة مثل: “مجلة التلفزيون”، “ما يطلبه المشاهدون”، “حصة في الهواء”، “مع الناس”، “على جناح الطير”، “شخصيات وذكريات”، “كيف كنا”، “اخترنا لكم”، “مساء الخير”، “الأسرة”، “جيشنا العربي”، “يوم جديد”، “ألغاز وأمثال من التراث”، “أخر السهر”، “عندما يأتي المساء”، “همزة وصل”، و”سهرة الخميس”.
وقد حملت هذه البرامج تنوّعًا غنيًا في الطرح والأسلوب، وجمعت بين القيم الإعلامية الرفيعة وروح القرب من الناس، لتكرّس حضورها كإحدى أبرز المذيعات اللواتي تركن أثرًا لا يُمحى في تاريخ التلفزيون الأردني.كانت هذه البرامج بمثابة منصة للحوار والثقافة والفن والتراث، وقد عكست تنوع اهتمامات ايمان ظاظا وقدرتها على الانتقال بسلاسة بين المواضيع الاجتماعية والإنسانية والوطنية.
ومن أبرز اللحظات التي لا تُنسى في مسيرتها، تقديمها لبرنامج “ليلة فرح أردنية” الذي بثّه التلفزيون الأردني احتفالًا بعودة جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله من رحلة العلاج. فقد كان البرنامج لحظة وطنية مؤثرة عبّرت فيها إيمان ظاظا عن مشاعر الأردنيين بصدق ودفء، وجسّدت من خلاله الحس الوطني الذي لطالما طبع مسيرتها الإعلامية.
لم يقتصر نشاطها على الشاشة، فقد انتقلت إلى الإذاعة الأردنية حيث أمضت نحو عشر سنوات، قدمت خلالها برامج متميزة لاقت صدى واسعًا، وتمكنت من خلال صوتها العذب وأسلوبها الحواري الراقي أن تكسب جمهورًا واسعًا من المستمعين. كان صوتها يحمل بصمة خاصة، تجمع بين الوضوح والثقة والعاطفة.
عرفت إيمان ظاظا طريقها إلى المحافل العربية والدولية بجدارة. فقد مثّلت الأردن في مهرجان القرين بدولة الكويت، وشاركت في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كما كانت ضمن المشاركين في ملتقى تبادل الخبرات بمحطة مونتي كارلو، إضافة إلى بعثة برامجية لهيئة الـ BBC البريطانية، حيث اكتسبت خبرات جديدة في العمل التلفزيوني والبرامجي.
ولم تكتفِ بالتقديم، بل سعت إلى تطوير مهاراتها الفنية من خلال التحاقها بدورة في الإخراج والإنتاج التلفزيوني في المركز العربي بسوريا، ما منحها فهماً أعمق لصناعة المحتوى وأساليب العمل داخل الاستوديو وخلف الكواليس.
واصلت ايمان ظاظا تألقها في تقديم برامج منوعة وجماهيرية، منها:
“على بالي”، “يا ليل يا عين”، “الأوقات بتحلو”، “شو مشكلتك”، “عشاق وطن”، “قناديل”، “لما نكون سوا”، إلى جانب عشرات البرامج الخاصة في المناسبات الوطنية والدينية، التي أظهرت من خلالها حسّها الإنساني وثقافتها الواسعة وقدرتها على التواصل مع مختلف فئات الجمهور.
امتد حضورها إلى مجالات القيادة والتقييم، حيث كان لها شرف المشاركة في معيار القيادة لجائزة الملك عبد الله الثاني للتميز، تقديرًا لكفاءتها المهنية وخبرتها في مجالات الإدارة الإعلامية.
ونالت خلال مسيرتها عدة جوائز وتكريمات من مؤسسات إعلامية عربية ومحلية، أبرزها:
جائزة الإعلامية المتميزة في مهرجان الإعلام العربي.
جائزة أفضل مذيعة في مهرجان البرامج التلفزيونية.
كما منحتها صحيفة الشرق الأوسط لقب “أجرأ مذيعة عربية في الميدان”، لما عُرف عنها من جرأة في الطرح واتزان في الموقف واحتراف في الأداء.
بعيدًا عن الأضواء، عُرفت إيمان ظاظا بتواضعها الإنساني وحرصها الدائم على تشجيع زملائها الشباب ودعمهم. كانت تؤمن أن الإعلام ليس مجرد مهنة، بل رسالة أخلاقية وثقافية تهدف إلى خدمة الإنسان والمجتمع.
تصفها زميلاتها بأنها أنيقة الفكر والروح، وأنها تحمل في داخلها حبًا كبيرًا للوطن، يظهر في كل كلمة تنطق بها أمام الكاميرا أو خلف الميكروفون. لم تكن تبحث عن الشهرة، بل عن التأثير الإيجابي والإسهام في نهضة الإعلام الأردني.
تنتمي إيمان ظاظا إلى جيل الإعلاميين الذين أسسوا قاعدة صلبة للإعلام الأردني، جيل تربى على الانضباط المهني واحترام المشاهد والمستمع. تركت بصمة واضحة في تاريخ التلفزيون والإذاعة، وما زالت أعمالها تُستذكر باعتزاز لما حملته من روح وطنية وإنسانية عالية.
إن الحديث عن إيمان ظاظا هو حديث عن مرحلة ذهبية في تاريخ الإعلام الأردني، مرحلة جمعت الأصالة بالاحتراف، والرسالة بالفن، لتبقى هي واحدة من أجمل الوجوه التي أطلت على الشاشة الأردنية وأكثرها صدقًا ودفئًا.








