أقلام و آراء

نزحف باتجاه الإمارات.. في المخالفات .. وليس الخدمات

 

عوض ضيف الله الملاحمة

الإمارات العربية المتحدة ، إمارات زايد الخير . الإمارات أنجح تجربة وحدوية عربية إستمرت للآن ، وعمرها ( ٥٤ ) عاماً . وشعب الإمارات العظيم ، الذي طرد المستعمِر البرتغالي منفرداً ، دون ان ينشد عوناً من أحد . أُحِب ، بل أعشق ، بل أشعر انني أنتمي لكافة الأقطار العربية ، لكن للإمارات مكانة خاصة عندي ، لأنني أشتم من تجربتها عبق الفكر القومي الذي أؤمن به . كما ان للإمارات مكانة خاصة جداً في قلبي ، لأنها احتضنتني ، وأكرمتني ، وأعزتني في لحظة من عمري ، عندما أطبق على صدري الضيق ، وضاقت الطريق ، وعزّ الرفيق ، وشحّت بل إستحالت فرصة الحصول على لقمة العيش الكريم .

إمارات الشيخ زايد ، زايد الخير ، زايد العطاء ، زايد الرجل العروبي الأصيل الذي لم يغيره الثراء . زايد الرجل العروبي الوحدوي بفطرته وجيناته . زايد الذي حوّل الإمارات من صحراء قاحلة ، رملية ممتدة ، الى جنّات . زايد الرجل القومي الإشتراكي بالفطرة . زايد الذي أكرم شعبه واحترمه وأعزّه . زايد الذي إختط لنفسه نهجاً هو خاصته في توزيع ثروات بلاده على أبناء شعبه . زايد الذي بنى وطناً صغيراً بمساحته ، كبيراً بل رائداً بهمته وتميزه وتطوره .

النهضة التي شهدتها الإمارات متفردة على مستوى العالم بالمطلق . الإمارات التي إنبهر بريادتها ونهضتها وتطورها ورقي خدماتها وحِدَّة الالتزام والانضباط بقوانينها الرئيس الأمريكي الحالي / دونالد ترامب ، حين قال في أكثر من مناسبة انه يتمنى الإرتقاء بالبنية التحتية والخدمات في أمريكا الى المستوى الذي وصلت اليه الإمارات . لدرجة انه أقام مشروعاً عمرانياً في مدينة دبي وصلت كلفته حوالي ( ٣ ) مليارات دولار .

نظام الطرق ، وقوانين السير والمرور في الإمارات على أعلى مستوى عالمي ، ودرجة تطبيق القوانين والالتزام الحرفي بها وصل حدا يصعب تصديقه . فالشوارع مستوية لدرجة انك لو وضعت كأساً من الماء على ( تابلو ) السيارة لن ترى اية اهتزازات على سطح الماء في الكأس . في الامارات اللوحات الارشادية مكتملة التوزيع ، والانتقال بين المسارب له ضوابط خاصة ، والطرق منفذة باعلى جودة ، والمداخل والمخارج متقنة التصميم ، والسرعات محددة وفق معايير فنية لدرجة انه يُسمح بالوصول الى سرعة ( ١٤٠ ) كم في بعض الشوارع الخارجية . وبعد ان نفذت الجهات المختصة في الامارات كل ما يتعلق بالطرق على اعلى مستوى ، وبعد ان سمحت بسرعات تتناسب مع الشوارع ، ولضبط السير والمرور وضعت تشريعات وغرامات باهظة بل مؤلمة وموجعة . لدرجة انه ليس من المستغرب ان تصل قيمة المخالفات على الشخص الى مبالغ طائلة . مما يُجبر من يستخدم الطرق على الالتزام الدقيق اثناء القيادة لتجنب وجع وألم قيمة المخالفات . صحيح ان قيم المخالفات كبيرة بل مرعبة بالنسبة لنا في الاردن ، لكن في الامارات لا يمكن ان تطالك مخالفة الا اذا كانت مخالفة حقيقية ، ولا يمكن ان توجد مخالفة كيدية ، كما لا يمكن ان يتم التربص بك لإقتناص مخالفة انت لم ترتكبها ، كما ان عناصر الطريق منفذة ومكتملة بحيث تساعدك على تجنب اية مخالفة ، كما انه من النادر ان ترى شرطياً في الشوارع ، لانه يعتمد على الكاميرات لالتقاط المخالفات بكافة انواعها .

عندنا في الاردن الوضع مختلف تماماً . فلا طرق جيدة ، ولا طرق مصممة حسب الأصول ، واللوحات الارشادية غير مكتملة وشحيحة ، ولا مداخل ولا مخارج صحيحة ، ولا تخطيط مدن حضاري ، ولا ارصفة مقامة حسب الاصول ، والمواقف نادرة وسيئة المستوى ، والتوعية المرورية شبه غائبة ، ومواطننا يتعالى على الالتزام ، ويتفاخر في تجاوز انظمة السير والمرور . ومع ذلك نتشبه بل نقترب من الإمارات في وجع وألم قيمة المخالفات .

ومع كل تلك النواقص التي يصعب حصرها فانه يبدو اننا نزحف باتجاه الامارات بقيم المخالفات المرورية ، دون ان نتنبه للفارق الكبير في مستوى دخل الفرد ، ومستوى الخدمات بيننا . فنتشبه بالإمارات بالمبالغة في قيم المخالفات ، دون تقديم الخدمات اللازمة ، لتتناسب مع الخدمات الراقية عندهم . كما أذهلني ان يتم إقرار فرض ( ١٢ ) ديناراً إضافية على كل من ارتكب مخالفة مرورية ، حيث تم إقرار هذه الزيادة لدعم شركات التأمين ، خلال أيام ، دون اي مبرر .

بالمختصر مروريا لا نتجه نحو التنظيم ، بل ننزلق نحو الفوضى . فلا تطوير للبنية التحتية ، ولا توفير للخدمات المتعلقة بعناصر الطريق للحد من ارتكاب المخالفات والحوادث . والازدحامات في ازدياد حتى وصلت حَدَّ الإختناق ، والغرامات المادية في اضطراد ، والإنحدار مستمر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى