مئوية الدولة الأردنية : كيف نصبح أفضل ؟

Stocks24 ديسمبر 2020آخر تحديث :
مئوية الدولة الأردنية : كيف نصبح أفضل ؟

افاق الاخبارية

د. أحمد بطّاح
مع بداية عام 2021 بعد أسبوع تقريباً يحتفل الأردن بالمئوية الأولى، وكما أنّ هذه مناسبة كي يحتفل الوطن بإنجازاته التي لا يشُك بِها إلّا كل مُغرض أو مُتحيز فإنها مناسبة للمراجعة الموضوعية وسؤال الذات : كيف يمكن أن نصبح أفضل بحيث نُعظِّم الإنجازات ونبني عليها، ونتلافى السلبيات ونقلل من تداعياتها بحيث نشهد المئوية الثانية ونحن أقوى وأكثر رسوخاً .
إنّ هذا يمكن أن يتحقق من خلال استراتيجيات عديدة لعلّ أهمها :
أولاً : تمتين الجبهة الداخلية وهذا لا يمكن أن يكون إلّا بإشتراك جميع المواطنين في صُنع القرارات المتعلقة بشؤونهم، وبديهي أن هذا لا يتم إلّا بتكريس النهج الديموقراطي الذي تمَّ تبنيه في الأردن ولكنه مازال بحاجة إلى ” مأسسة “، وغني عن القول أنّ هذه المأسسة مُرتبطة بالضرورة في تبني قانون إنتخاب جديد يفرز مجالس تشريعية تُعبر حقيقةً عن نبض الشعب وتطلعاته، كما أنها مرتبطة بتشجيع العمل الحزبي الذي يعبر عن التيارات السياسية الكامنة في المجتمع، والتي تنتظر فرصتها للظهور. لقد برهنّ الشعب الأردني في خمسينات القرن الماضي، وفي انتخابات المجلس النيابي الحادي عشر على أنه شعب واعٍ، ويستطيع ممارسة الديموقراطية بأسلوب متحضر وبنَاء، ولكي نبدأ ولو بخطوة في هذا المضمار فإنهُ يمكن إعطاء حصة مُعتبرة للقوائم الحزبية في البرلمان الجديد ، وبما يسمح مستقبلاً بتشكيل حكومات حزبية ذات برامج ومسؤولة أمام السلطة التشريعية. ويتصل بهذه النقطة (تمتين الجبهة الداخلية) السماح لجميع الأردنيين (الذين يحملون الرقم الوطني) بالإنخراط في كافة المؤسسات بغير استثناء، الأمر الذي يكرّس انتماءَهم لوطنهم، ويجنِّبهم الإحساس بالتهميش والمواطنة المنقوصة. إنّ النظام السياسي في الأردن مقبول من الأغلبية الساحقة من المواطنين، ولذا فإنهُ يجب ألّا يتردد في إحداث مزيد من الإصلاح السياسي الجوهري العميق .
ثانياً : استمرار السعي إلى تحقيق الوحدة العربية وبالذات مع الدولة الفلسطينية القائمة لا محالة مستقبلاً بإذن الله . لقد وُلِد الأردن كياناً عربياً منطلقاً من مبادئ الثورة العربية الكبرى التي كانت تتطلع إلى تحرير العرب وتحقيق وحدتهم، ويجب ألّا ننسى في هذا السياق أن أول رئيس وزراء في الدولة الأردنية كان ” رشيد طليع ” وهو دُرزي لبناني، ولا نستطيع إلّا أن نتذكر أن أغلبية الكوادر التي أدارت الدولة الأردنية وحتى تحقيق الاستقلال عن بريطانيا في عام 1946 كانت من الدول العربية المجاورة ( الحجاز ، سوريا ، فلسطين ، العراق …).
إنّ وحدة مستقبلية للأردن مع فلسطين بعد أن تُصبح دولة ذات سيادة ( في حدود 1967 كما تنص الشرعية الدولية وضمن حل الدولتين ) وبالموافقة الحُرّة للشعبين الأردني والفلسطيني حيثُ ستكون نقلة استراتيجية للأردن توفر له بُعداُ جيوسياسياً أشمل، وتحِّل كثيراً من مشاكله وبالذات الاقتصادية منها، هل هذا تفكيرٌ مثالي في ضوء تمادي اليمين الإسرائيلي، وتراجع إمكانية حل الدولتين في ظِل استشراء الإستيطان الصهيوني ؟ ربما ، ولكن الحقيقة هي أنّ نيل الشعب الفلسطيني لدولته المستقلة هي من وجهة نظري مسألة وقت لا أكثر . وممَّا يؤكد أهمية هذا التوجّه الاستراتيجي للأردن أنّ العالم لم يعد يتسع إلّا للتكتلات الكُبرى، ولا مكان فيه للكيانات الصغيرة التي لا تستطيع إلا أن تظل تابعة، وغير آمنة، وضئيلة التأثير في الفضاء السياسي والاقتصادي .

ثالثاً : السعي الدؤوب والمنهجي إلى الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الذات. لقد بدأ الأردن كدولة حياته معتمداً على المساعدة البريطانية، ثم العربية ثم الأمريكية ( التي تزيد الآن عن مليار ونصف )، وإذا ما تذكرنا بأنّ السياسة هي ” اقتصاد مُكثّف ” كما قال لينين ذات يوم، وإذا تذكرنا بأنّ لا استقلال حقيقياً لأي دولة في العالم إلّا بإستقلالها الاقتصادي (ولو نسبياً)، فإنّ توجّه الأردن في هذا يصبح مسألة وجودية بكل معنى الكلمة، وللمعتقدين بأنّ هذا غير ممكن، وفوق طاقة الأردن أقول : أنظروا إلى سنغافورة كيف استطاعت أن تصبح أحد النمور الآسيوية وهي البلد الصغير ذي الإمكانات شبه المعدومة!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه