منبر الكلمة

8 عقود بعد الكارثة: عودة سباق التسلّح النووي

رنين عواد

بعد ثمانين عامًا على هيروشيما وناكازاكي، يقف العالم مجددًا عند مفترق خطير، حيث يتقاطع سباق التسلح النووي مع تآكل الحدود التي رسمها القانون لمنع الكارثة. فهل يعود شبح الكارثة ليرسم ملامح عالمٍ جديد، حيث تُستبدل شرعية القانون بشرعية القوة؟

“اختفت المدينة، لم تكن مضت سوى ثلاث دقائق على إلقاء القنبلة. لم يكن بالإمكان رؤية هيروشيما… كانت مغطاة بالدخان والغبار والحطام”، يقول تيودور داتش، قائد القاذفة B-29، التي استُخدمت لإلقاء أول قنبلة نووية في تاريخ النزاعات المسلحة على مدينة هيروشيما.

ثمانون عامًا مرت على كارثة هيروشيما وناكازاكي. لم يكن محو مدينتين ومقتل أكثر من 200 ألف شخص كافيين لردع البشرية عن سباقها النووي، بل عاد السلاح النووي ليُستحضر مجدداً كأداة “مشروعة” لإنهاء الحروب.

في سياق تبرير حرب الإبادة الاسرائيلية في غزة، قارن السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام ما ترتكبه إسرائيل في غزة بما فعلته الولايات المتحدة في هيروشيما بوصفها “ضرورة”.

تصريحات غراهام وصولاً إلى ضربة “المطرقة منتصف الليل” الأميركية على منشآت إيران النووية، وصولاً إلى تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والكوري الشمالي كيم جونغ أون، تتسابق الدول لتعزيز ترساناتها النووية في عالم يشهد تآكلًا للالتزامات القانونية الدولية تحت ذريعتي “الردع” و”البقاء”.

ولا يقتصر الأمر على الجدل القانوني والسياسي، بل تعكس الأرقام والوقائع الميدانية حجم الخطر المتصاعد. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، ارتفع الإنفاق العالمي على الأسلحة النووية بأكثر من 32 في المئة، ووصل إلى  100 مليار دولار عام 2024.

احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في حجم الإنفاق النووي، بمبلغ 56.8 مليار دولار، تلتها الصين في المرتبة الثانية بـ12.5 مليار دولار، ثم المملكة المتحدة في المرتبة الثالثة بـ10.4 مليارات دولار. ونقلت صحيفة “التلغراف” البريطانية في تموز/ يوليو 2025، أن الولايات المتحدة أعادت إيداع أسلحة نووية على الأراضي البريطانية للمرة الأولى منذ عام 2008.

“الدفاع الوقائي” وهشاشة القانون الدولي

“لقد قضينا على قدراتهم النووية. يمكنهم أن يبدأوا من جديد، وإذا فعلوا، فسنقضي عليها بسرعة تفوق قدرتكم على الإشارة إليها بإصبعكم. سنقوم بذلك علنًا وبكل سرور”، هذا ما صرّح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني عُقد قبل أسبوعين في مدينة اسكتلندا، شمال المملكة المتحدة.

يأتي تصريح ترامب بعد قرابة شهر ونصف الشهر من عملية عسكرية أطلق عليها اسم “المطرقة منتصف الليل”، إذ شنّت الولايات المتحدة غارات جوية باستخدام قنابل خارقة للتحصينات على منشآت نووية إيرانية، بمشاركة 125 طائرة حربية، من بينها قاذفات B-2 الشبحية.

من مفاعل فوردو الإيراني إلى تصريحات ترامب التي استحضر فيها كارثة هيروشيما لتبرير الضربات، تُستحضر الأسلحة النووية اليوم ليس فقط كأدوات دمار شامل، بل كأوراق ضغط استراتيجية تهدّد السلم والأمن الدوليين.

يهدد الهجوم الأميركي-الإسرائيلي، الذي استهدف عرقلة البرنامج النووي الإيراني، بإعادة تشكيل قواعد القانون الدولي التي وُضعت عقب الحرب العالمية الثانية لمنع تكرار كارثة هيروشيما وناكازاكي النوويتين. ويطرح هذا التطور تساؤلات قانونية حاسمة حول مشروعية استخدام القوة خلال النزاعات المسلحة، لا سيما في ظل غياب أي تفويض من مجلس الأمن. ففيما ينص ميثاق الأمم المتحدة على حصر استخدام القوة بحالات الدفاع عن النفس أو بقرار صادر عن مجلس الأمن، تتوسع بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في تفسير مفهوم “الدفاع الوقائي” لتبرير ضربات عسكرية استباقية، ما ينذر بتقويض منظومة القانون الدولي ويهدد بإضفاء شرعية زائفة على استخدام غير مشروع للقوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى