منبر الكلمة

رئيس التحرير الزميل عدنان نصار  يكتب: ملك ملكاوي… حين يموت الأطفال على سرير الانتظار

 

عدنان نصار

في الرابعة عشرة فقط… العمر الذي كان يجب أن يكون بوابة للحياة، صار بابًا مبكرًا للفقد. لم تمت الطفلة ملك ملكاوي لأنها مريضة، بل لأنها لم تجد سريرًا تتكئ عليه لتتنفس فرصة إضافية. في مستشفى الأميرة بسمة في إربد، سُرّع غيابها بسبب مشهد لم يعد صادمًا بقدر ما صار مألوفًا: مريض يصل، ولا يجد مكانًا للعلاج.

 

ملك ليست حالة فردية، وليست خطأً عابرًا. ملك مرآة، وحين تنكسر المرآة نرى وجوهنا نحن؛ نرى ضعف النظام الصحي، وضيق الإمكانات، وتراكم الإهمال الذي جعل السرير الطبي أثمن من الروح. كيف تموت طفلة لأنها لم تجد سريرًا؟ وكيف يمضي الزمن في بلد يفاخر بقطاعه الصحي بينما تُزهق فيه أرواح على أبواب المستشفيات؟

 

يقف أهل ملك مذهولين، ويقف النظام الصحي كله أمام سؤال لا يجوز أن يبقى معلّقًا: من يتحمّل المسؤولية؟ أهي إدارة مستشفى تعمل فوق طاقتها؟ أم وزارة تدرك حجم الأزمة لكنها تمضي ببطء؟ أم حكومات تراكمت أزماتها فوق أكتاف الناس حتى صار المواطن يدفع الثمن من جسده ومن حياة أبنائه؟

 

إربد تكبر كل يوم، بينما مستشفياتها تبقى كما هي. غرف امتلأت، وأطباء يكدحون، وممرضون يهرولون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومرضى ينتظرون في بلد لا يحتمل الانتظار أصلًا. أصبحت لحظة العثور على سرير هي الفاصل بين الحياة والموت.

 

ملك ليست رقمًا. ملك صوت وصرخة وجرس إنذار لا يجب أن يُخمد. غيابها يقول إن الخلل لم يعد في التفاصيل، بل في الجوهر: في الحق في العلاج، وفي العدالة الصحية، وفي الكرامة الإنسانية التي لا يجوز أن تُدهس عند باب مستشفى.

 

الفاجعة أن ملك لم تُمنح فرصة للنجاة. لم تحصل على الوقت. لم تحصل على السرير. وهذا وحده يكفي ليظل غيابها جرحًا مفتوحًا في الضمير العام، وقضية تتجاوز عائلة فقدت ابنتها لتصبح قضية وطن يبحث عن نظام صحي آمن لا يترك أبناءه يموتون في ممرات الانتظار.

 

نحن بحاجة إلى إصلاح لا يشبه البيانات الرسمية، ولا يُقاس بعدد الاجتماعات، بل بإجراءات حقيقية توسّع القدرة الاستيعابية، وتوفّر الأسرة، وتعيد الاعتبار لإنسان يقف أمام الطبيب لا كرقم في الطابور، بل كحياة كاملة تستحق أن تعيش. فحين تموت طفلة بسبب سرير غير موجود، تصبح المسألة فاجعة أخلاقية قبل أن تكون حادثًا طبيًا. وحين لا نجد جوابًا واضحًا، نكون جميعًا جزءًا من المشكلة… إلى أن نختار أن نكون جزءًا من الحل.

 

رحم الله ملك، ولعل غيابها يكون بداية لصحوة تنقذ أرواحًا أخرى قبل أن تنطفئ على عتبات الانتظار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى