الصراعات في البلدان العربية وتأثيرها على القطاع السياحي الاردني

Husam4 ديسمبر 2023آخر تحديث :
كريستين حنا نصر

بقلم : كريستين حنا نصر

تمثل السياحة ركيزة اقتصادية مهمة في رفد وتنشيط الاوضاع الاقتصادية على المستوى الدولي، ولكن السياحة مع كل ذلك تبقى من أكثر القطاعات تأثراً بالأحداث والصراعات المندلعة في مختلف انحاء العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الاوسط خاصة في سوريا والعراق ولبنان والصراع الاسرائيلي مع حماس القائم اليوم في قطاع غزة، وبشكل متسارع يتوقع أن يتمدد في منطقتنا، كل ذلك من شأنه أن يسبب ويساهم في إضعاف الاقتصاد و يعيق السياحة في الاردن، علماً بأن الاردن في القطاع السياحي يعتبر متحف طبيعي ثري يشتمل على حضارات متنوعة ومواقع اثرية وتاريخية وثقافية بارزة عالمياً، إذ ادرج العديد منها في قائمة التراث العالمي في منظمة اليونسكو مثل البترا وقصير عمرة عام 1985م وأم الرصاص عام 2004م و وادي رم عام 2011م والمغطس عام 2015م والسلط عام 2021م، مما يترتب عليه بالضرورة تدفق سياحي نشط.
ولكن وبسبب الصراعات الدائرة في محيطنا الدولي وعلى الرغم من الاستقرار السياسي والأمني في الأردن، إلا أن الكثير من الحجوزات السياحية في الفنادق ألغيت، وهذا مرده أنه يغلب على ثقافة الكثير من السياح الاجانب عدم التفريق والتحديد الجغرافي بين مناطق الصراع والتوتر، بمعنى الاعتقاد من قبلهم بأن المنطقة كلها ملتهبة بما فيها الاردن، وبالطبع هذا اعتقاد غير صحيح لكنه عملياً حرم الاردن للأسف من مجموعات سياحية يفترض زيارتها لبلدنا العزيز، مما جعل الجهود المبذولة للتنشيط والترويج السياحي على اختلافها في الاردن غير مجدية كما هو مأمول، يضاف الى ذلك تأثر السياحة الاردنية بظاهرة الانفتاح والمشاريع السياحية الضخمة في المناطق العربية منها على سبيل المثال ( مشروع العلا السياحي بالسعودية) بتكلفة مالية تجاوزت 20 مليار دولار والذي انعكس على سياحة وادي رم ، نظرا لتشابه البيئة السياحية بينهما مع الاخذ بعين الاعتبار تفوق المشروع السياحي في السعودية والذي تمّ دعمه بخدمات سياحية وفعاليات ترفيهية كثيرة، الأمر الذي جعل السائح السعودي أولا والعربي ثانيا يفضل السياحة في بلده لوجود مثل هذه المشاريع عندهم.
ولأن السياحة العلاجية من انواع السياحة البارزة في الاردن والتي توفر جزء عال من المدخولات السياحة الوطنية، فهي تحتاج الى التفاته جادة من المعنيين في الادارة السياحية، خاصة في ظل التراجع الواضح مثال ذلك السياحة باتجاه البحر الميت، فكثير من المتابعات تظهر انه نتيجة للحرب الروسية الاوكرانية انخفضت حجوزات السياح الروس ممن عرف عنهم جولاتهم السياحية في كافة المواقع السياحية الاردنية بدءاً من البحر الميت، واليوم يتم استقبال عدد قليل من السياح الالمان فقط، فحسب الاحصائيات بلغ زوار بانوراما البحر الميت من الاجانب ما بين ( شهري كانون الثاني و ايلول عام 2023م) حوالي 33 الف سائح فقط، وكذلك الحال في منطقة عفرا العلاجية اذا ابلغ عدد الاجانب وبنفس الفترة حوالي 831 سائحاً، وهذا الرقم تراجع بشكل حاد مع اندلاع حرب غزة، ويمكن القياس على ما سبق بخصوص السياحة الأجنبية الى كافة المواقع والمناطق في الاردن.
أما بخصوص السياحة المحلية ( سياحة المواطن الاردني) فالظاهرة البارزة هو السياحة الخارجية الى مناطق مثل شرم الشيخ وتركيا، وحول اسباب ذلك يمكن القول بكل صراحة ان معادلة السياحة لدينا اصبحت ( سياحة أجنبية متراجعة مقابل سياحة وطنية للخارج مرتفعة) مما يحرمنا من مدخولات مالية مهمة في تطوير الموقع والمنتج السياحي الاردني، وبالتالي يمكن القول أنه لايوجد سياسة واضحة وناجحة لاستقطاب السائح داخليا باعتبار اسعار الفنادق وخدماتها المقدمة له، هي نفسها التي تقدم للسائح الاجنبي، مع أنها اسعار باهظة لكافة طبقات المجتمع بما فيها الغنية، الذين يتجهون عادة الى تركيا وغيرها وباسعار اقل ضمن حزمة خدمات سياحية ذات جودة متكاملة( تذكرة طيران واقامة ووجبات ورحلات داخلية وانشطة ترفيهية)، والحل لهذه الظاهرة يكمن في وجوب قيام وزارة السياحة بالزام الفنادق المحلية ذات الفئة أو الدرجة العليا، بعمل برنامج سياحي متكامل للسائح الاردني ممن يبحث عن خدمات سياحية تضاهي ما يقدم في الفنادق الخارجية ذات الدرجة نفسها ليتم تنشيطها، علما بان برنامج (الاردن جنّة) على اهميته ودوره في الترويج السياحي المحلي، الا ان خدماته المقدمة انحصرت على فئات ذوي الدخل المحدود، بينما بقي رواد سياحة الفنادق خارج إطار خدمات هذا البرنامج.
إن غياب الرقابة الادارية السياحية بكافة اشكالها أمر يزيد من الاثار السلبية المترتبة على الصراعات القائمة في منطقتنا، فلابد من مراجعة جادة للمشاريع الاستثمارية التي عُطل الكثير منها لفترة كبيرة وبشكل اضر بالمستثمرين وربما يدفعهم مستقبلاً نحو الاستثمار الخارجي اذا استمرت الاوضاع على هذا النحو، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مشروع ( كورنيش البحر الميت) حيث استثمرت اموال في شراء اراضي وبناء شقق سياحية ولكن لم يتم قطف ثمارها لغاية اللحظة نتيجة لعدم تفعيل الكورنيش الذي من شأنه أن يستقطب جميع فئات المجتمع، خاصة في ظل توقف عمل مشروع شاطىء عمّان على البحر الميت بوصفه مشروع سياحي مميز، كان يوفر خدمة سياحية جيدة مقابل مبالغ رمزية تستطيع معها الاسر متدنية الدخل الاستمتاع والرفاهية على شواطىء البحر الميت، ولكن تم اغلاق المشروع للاسف، وفقدت معه العائلات المستفيدة خدمة ترفيهية حيوية كانت تتمتع بها، وبنفس السياق الرقابي لابد من مراجعة الية تقييم المطاعم السياحية التي عند حصولها على معايير جودة مرتفعة وضمانها الحصول عليها، فانها سرعان ما تقدم خدمات اقل جودة دون الخوف من فقدانها للتقييم السابق والمحاسبة على تراجعها، كذلك الحال بالنسبة لمراجعة قرارات سياحية اخرى مثل ايقاف خدمة ما يسمى سياحة الفلل والمزارع وهو امر لم يجري في اي دولة في العالم، فالامر يحتاج الى مراقبتها وضبط عملها مع الاستمرار في افادة المواطن من خدماتها والدولة من ايراداتها المالية المهمة في تطوير المجتمعات المحلية التي تحتاج استثماراتها ومنتجاتها السياحية الى سياسة ميسرة في التراخيص وخدمات البنية التحتية التي تحتاجها مشاريعهم، وبنفس السياق فان من واجب المجتمع المحلي دعم المشاريع السياحية القائمة في مناطقهم .
إن الصراعات القائمة ولخطورتها الاقتصادية خاصة على القطاع السياحي الاردني، تستدعي سرعة بناء استراتيجية سياحية وطنية مرنة تشارك في اعدادها جميع الخبرات والقطاعات دون تفرد جهة معينة، قادرة على التعامل مع جميع الظروف، تقوم على تنفيذها ادارة سياحية متمكنة ذات خبرة، بهدف الابقاء على ديمومة الدخل السياحي الاردني، الذي بات اليوم للاسف يعاني من صدمة اخرى تبعت معاناة سابقة متمثلة في وباء كورونا.
ولكن للاسف فان بلدان الشرق الاوسط وعلى الرغم من موقعها الاستراتيجي وتضاريسها وبحارها المتنوعة والحضارات المتميزة التي نشئت على أرضها، الإ ان الصراعات القائمة فيها والمشاكل الاقتصادية التي تعانيها أثرت بشكل ملحوظ على تفوقها المفترض في المجال السياحي عالمياً، وستبقى السياحة الاردنية بخصوصيتها الثقافية والتاريخية والخدماتية بما في ذلك المناخ الامني هي الاستثمار الوطني الذي يحتاج كل الجهود والطاقات والخبرات.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه