محاضرة ألقيت في جامعة البلقاء يوم الأربعاء الموافق 8/ 11/ 2023
زيدان عبدالكافي كفافي
مقدمة:
ارتبطت الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلامية بمنطقة الشرق العربي،خاصة فلسطين، ولهذا السبب كانت ولا زالت مستهدفة من تابعيها. كما أصبح الدين وسيلة من وسائل الصراعات بين الناس عوضاً أن تكون غايته التقرب إلى الخالق. ومن هنا نجد أن الصهاينة يحملون التوراة بيد منادين بأن “الرب”، ولا نعلم من هو ربهم صاحب الوعد هل هو “إيلوهيم/إيل أم يهوه”، هو الذي وعدهم بالمنطقة الواقعة بين نهري النيل والفرات. وإذا كان هذا الوعد ربّاني قد منح لذرية ابراهيم من زوجته سارة، فقد تبعه وعد بلفور الإنساني، بمنحهم أرض فلسطين (لكن ما هي حدود فلسطين في وعد بلفور)، فارتبط النص التوراتي مع الذريعة الغربية، وعد بلفور، ، وليس لليهود من مختلف بلدان العالم. وها نحن ندفع ثمن هذين الوعدين. كلامي هنا يرتكز ومأخوذ كلياً من العهد القديم (أي من فمك أدينك)، وسنشير إلى كيف أن النصوص التوراتية تقدم الشخصية اليهودية بعدد من الصور التي اتبعتها حتى تحققالسيطرة على أرض الميعاد من خلال القوة العسكرية (والتي لم يتم التحقق كلياً أنهم هاجموا المدن الكنعانية عسكرياً)، والكذب والادّعاء والغش والخداع.
وحيث أن التوراة (العهد القديم) هي عكازة الصهيونية العالمية، فإنني أبدأ حديثي بالمرتكزات الدينية المذكورة في نصوصها، وهي:
ونود أن نذكر في هذه العجالة أن هذه القصص جميعها لم تخرج عن الاطار الديني، ولم تذكر في المصادر التاريخية المكتوبة ، سواء الفرعونية أو الرافدية. كما أن الحفريات الأثرية التي جرت في مواقع ذكرتها التوراة لم تثبت على وجود آثار تؤكد حصول معارك فيها في زمن الخروج. لكنها عكست ، أي القصص التوراتية، عكست صورة نمطية لليهودي نذكرها أدناه، وهي:
تسجل الأسفار التوراتية أبشع الصور الاجرامية والوحشية التي قام بها اليهود في حروبهم ، ومنها قتل الأطفال والنساء والحيوان وحرق النبات ، وهذا إقرار من الشريعة الربانية. ونذكر أدناه بعض الآيات التي تؤكد على هذا الأمر:
وأما مدن كنعان الفلسطينية، فلها في موعظة الرب الحسنة شرعة أخرى، فهو يأمر قائلاً: “وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما”.
“وحرَّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف…واحراقوا المدينة بالنار مع كل ما بها”.
“ودخلوا المدينة وأخذوها وأسرعوا وأحرقوا المدينة بالنار…فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء أثني عشر ألفاً جميع أهل عاي. ويشوع لم يرد يده بالمزراق حتى حرَّم جميع سكان عاي …وأحرق يشوع عاي وجعلها تلاًّ أبدياً خراباً إى هذا اليوم”.
“ضربوا كل نفس بحد السيف .حرَّموهم ولم تبقَ نسمة. وأحلرق حاصور بالنار. فأخذ يشوع كل مدن أولئك الملوك وجميع ملوكها وضربهم بحد السيف. حرذَمهم كما أمر موسى عبد الرب”.
وحتى نختصر الكلام، تتكرر صور الوحشية والهمجية ضد سكان المدن الكنعانية في النصوص التوراتية، وكأنها أصبحت نماذج يحتذى بها للصهيانة عند احتلالهم لفلسلطين عام 1948، وفي هجومهم على مدن قطاع غزة هذه الأيام. ونجمل أدناه بعض هذه الصور مثل الضرب بحد السيف وتحريم وجود كل نفس في المدينة ، أي لا يبقى فيها لا شارد ولا وارد. ومن الآيات الواردة في الأسفار ، نذكر ما يلي:
التكوين 16: اخلال سارة بالوعد الذي قطعته لزوجها وإذلال جاريتها.
2
فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ الْوِلاَدَةِ. ادْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ». فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ.
فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا، مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ.
فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا.
فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «ظُلْمِي عَلَيْكَ! أَنَا دَفَعْتُ جَارِيَتِي إِلَى حِضْنِكَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرْتُ فِي عَيْنَيْهَا. يَقْضِي الرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ».
فَقَالَ أَبْرَامُ لِسَارَايَ: «هُوَذَا جَارِيَتُكِ فِي يَدِكِ. افْعَلِي بِهَا مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ». فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ، فَهَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا.
ج. الكذب والتزوير:
1. الكذب:
أ. قصة اسحق وأبيمالك (التكوين 26: 7 – 9):
وَسَأَلَهُ أَهْلُ الْمَكَانِ عَنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: «هِيَ أُخْتِي». لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَقُولَ: «امْرَأَتِي» لَعَلَّ أَهْلَ الْمَكَانِ: «يَقْتُلُونَنِي مِنْ أَجْلِ رِفْقَةَ» لأَنَّهَا كَانَتْ حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ.
وَحَدَثَ إِذْ طَالَتْ لَهُ الأَيَّامُ هُنَاكَ أَنَّ أَبِيمَالِكَ مَلِكَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَشْرَفَ مِنَ الْكُوَّةِ وَنَظَرَ، وَإِذَا إِسْحَاقُ يُلاَعِبُ رِفْقَةَ امْرَأَتَهُ.
فَدَعَا أَبِيمَالِكُ إِسْحَاقَ وَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ امْرَأَتُكَ! فَكَيْفَ قُلْتَ: هِيَ أُخْتِي؟» فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: «لأَنِّي قُلْتُ: لَعَلِّي أَمُوتُ بِسَبَبِهَا».
ب. . قصة يوسف مع إخوته : كيف كذب اخوة يوسف على آباهم عندما القوه في اليم، وادّعو أن الذئب قد أكله ( التكوين 37).
2. التزوير:
رواية كيف أن اسحق طلب من عيسو ابنه أن يصطاد له صيداً كي يأكله ، لكن أمه “رفقه” كانت تحب ابنها الثاني “يعقوب ” أكثر من أخيه عيسو، فأخبرت يعقوب بما حصل وطلبت منه أن يلبس ثياب عيسو لخداع والده ، وان يصنع هو أكلاً لوالده عوضاً عن أخيه. ففعل يعقوب بما أمرته أمه وخدع والده الذي اعتقد أن الأكل من صيد عيسو، لذا وعوضاً عن مباركته لعيسو بارك يعقوب. وهذا يظهر كيف أن الزوجة والولد خدعا الوالد وكذبا عليه (التكوين 27).
ه. الزنا واللواط:
تورد التوراة الكثير من القصص التي تشير إلى تبيح الزنا واللواط، وهناك عد أمثلة على هذا ، نذكر منها ما ورد في سفر التكوين (25: 31-34) والتي تذكر أن (يعقوب) قد مارس الجنس مع أخيه (عيسو):
فَقَالَ يَعْقُوبُ: «بِعْنِي الْيَوْمَ بَكُورِيَّتَكَ».
فَقَالَ عِيسُو: «هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى الْمَوْتِ، فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟»
فَقَالَ يَعْقُوبُ: «احْلِفْ لِيَ الْيَوْمَ». فَحَلَفَ لَهُ، فَبَاعَ بَكُورِيَّتَهُ لِيَعْقُوبَ.
فَأَعْطَى يَعْقُوبُ عِيسُوَ خُبْزًا وَطَبِيخَ عَدَسٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ وَقَامَ وَمَضَى. فَاحْتَقَرَ عِيسُو الْبَكُورِيَّةَ.
وكذلك لا ننسى قصة قوم لوط الواردة في سفر التكوين (19: 5-8)، وسفاح بنات لوط مع أبيهم (التكوين 19: 31-36)، وحتى وصف التوراة لقصة احتلال أريحا كان عن طريق زانيتين.
و. السرقة.
“و فعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى طلبوا من المصريين امتعة فضة و امتعة ذهب و ثيابا
:36 و اعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى اعاروهم فسلبوا المصريين“.
ز. عدم احترام الآخر
1. طرد هاجر وابنها علماً أنها زوجة ابراهيم ، وكذلك طلب سارة زوجة ابراهيم وأم اسحق بأن لا يرث ابنه اسماعيل من ميراث والده فيكون الميراث جميعه لاسحق وذريته، وهذا ما يراه الصهاينة هذه الأيام (التكوين 21: 10- 14).
فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ».
فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ.
فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ.
وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».
فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ، وَاضِعًا إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا، وَالْوَلَدَ، وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ.
ح. صراع يعقوب مع الرب:
يرد في سفر التكوين (32: 23-28) رواية أن يعقوب قد تصارع مع الرب على ضفة نهر (جابوك/يابوق= الزرقاء حالياً) وأن يعقوب استطاع التغلب عليه، ومن هنا أمره الرب بتغيير اسمه إلى (اسرائيل) عوضاً عن يعقوب.
التكوين 32: 23- 28.
أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ الْوَادِيَ، وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ.
فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ.
وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي».
فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ».
فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ».
ويرى بعض الباحثون أن هذه الرواية غير صحيحية، حيث أن الاسم اسرائيل مكون من مقطعين هما “اسر” و “إيل”، وهذا اسم لإله كنعاني.
ط. الغاية تبرر الوسيلة:
تقول التوراة أن أن الاسرائيليين هم من نسل ابراهيم من ولده اسحق وزجته سارة، ويقول القرآن الكريم أن أبراهيم كان مسلماً حنيفاً، ونحن في هذا المقام سنتعامل مع صورة أبرام/أبراهيم التوراتي:
هذا فيض من غيض، ولا يسمح لي ضيق الوقت بالذهاب بعيداً في اعطاء صورة كاملة من خلال النصوص التوراتية حول الشخصية اليهودية في النصوص التوراتية، وحتى تكتمل الصورة ونتأكد من قولنا أصبح لزاماً علينا أن نرى ما يفعله الصهيانة الآن باتكائهم على عكازتهم التوراة.
المراجع:
عذراً التعليقات مغلقة