الشهيد الملازم١ / خضر شكري يعقوب .. تَفَرَّد في الشجاعة .. وطلب الشهادة

Husam24 مارس 2023آخر تحديث :
الشهيد الملازم١ / خضر شكري يعقوب .. تَفَرَّد في الشجاعة .. وطلب الشهادة

كتب عوض ضيف الله الملاحمه

إقشعر بدني ، وأصبح شعر رأسي كما الإبر ، توخز قلبي قبل جسدي . سَمِعته عشرات المرات ، خلال عدة سنوات ، ولم تهدأ قشعريرتي ، ولم أستطع السيطرة على خيالي ، وتصوري لكيفية إقدامه وفرط شجاعته . وحتى أضعكم بالصورة ولو جزئياً ، إقرأوا ما سمعت في آخر تسجيلٍ صوتي للشهيد الملازم أول المتفرد ببطولته / خضر شكري يعقوب ، وهنا سوف أسرد كلماته نصاً :— [[ واحد واحد ، الهدف موقعي ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد ان محمداً رسول الله ، إرمي ، إرمي ، إنتهى ]] . لله دَرُّك ما أَبسلك ، وما أَشجعك .

عندما ترى صورته في بِزَّتِهِ العسكرية التي تُضيف هيبةً لِهيبتهِ ، وشَجاعةً لِشجاعتهِ ، وإقداماً لإقدامهِ ، وبطولةً لِبطولته تَحْسَبُهُ صَقراً . عيونه حادّة كما الصقر ، وشاربية مفتولين قليلاً كأنه يستخدمهما للتحليق مع الشواهين . وأنفه مخروط حتى أرنبته ، معكوف قليلاً حتى انك لا تكاد تلحظها . وهذا دليل على العِزة ، والأنفة ، والشَمم ، والإباء عند من يعرفون في الأنساب من العرب . حواجبه ظليلة دون ضخامة . وكأنها تَظِل لِتَحجِب شيئاً من حِدّة نظرته الثاقبة المُتفحصة المُتحدِّية حتى لِلموت ، الذي لم يأبه به حينما وضع حدّاً لحياته بطلبه من زملائه في جيشنا العربي الباسل ان يقصفوا مَوقِعه لِيستشهد قَبل ان يَنال مِنه العدو الصهيوني الذي حاصر موقعة ، في مُقدمة ساحة معركة الكرامة لأنه كان ضابط مُلاحظة ، وواجِبهُ يتطلب منه ان يكون في موقع مُتقدم جداً في المنطقة الفاصلة بين الجيشين — أي ساحة المعركة — لِيرصُد تحركات جيش العدو ، ويُوجِه زملائه من جيشنا العربي الباسل لِقصف مواقع العدو بِدقة متناهية . حَدَثَت تلك البطولة المُتفردة في معركة الأُسود الشُجعان معركة الكرامة التي دارت رحاها يوم ١٩٦٨/٣/٢١ ، وكانت نتيجتها إلحاق أول هزيمة بالعدو الصهيوني ، من جيش عربي على يَدِ شجعان جيشنا العربي الباسل الذي أعشق ، وأفتخر ، وأخال هامتي تَشُق عنان السماء غير عابئة بغير ما هو عربي .

بِصوتٍ جَهور شُجاع — وكأنه صهيل حصانٍ أصيل — لم تهتز شِفاهه ، ولم يرتجف قلبه ، ولم يَخَفْ من الموت وهو يوعز لزملائه بكل تحدٍ ، وإصرار ، ودون مراعاة ، او رهبة من هيبة للموت الذي هو يستدعيه ، وينتظره ، ويأمر به ، وهو يصرخ بصوتٍ عالٍ على جهاز اللاسلكي آمِراً زملائه بقصف موقعه فوراً وخَتَمَ بآخر كلمة بقوله : (( إنتهى )) . يا لها من لحظة ، ويا له من أمر ، ويا له من إصرار ، ويا لها من عزيمة ، ويا لها من جُرأة ، ويا لها من شجاعة ، ويا له من شُجاع ، ويا له من صِنديد ، عزيمته تَفِلُّ الحديد ، وتُنذِر بنهاية أكيدة حازمة حاسمة تتمثل بالشهادة دفاعاً عن وطنه الذي يُحب ، وكرهاً لعدوه الذي يحقد ، ونموذجاً لجيشٍ تفرد في البطولات الفردية ، والصولات العسكرية .

إرمي ، إرمي ، عَجِّل في إستشهادي ، ضع حداً لحياتي ، أطلب الموت ، وأنتظره . إرمي ، إرمي ، إنتهى ، لا حوار ، الأجل قد صار ، والحسم قد وقع . لا مجال للتردد ، أعرف انه قرار صعب عليكم يا رفاق السلاح ، لكن بريق الشهادة قد لَاح ، لا تحرموني إياها . كنت أتمنى ان يكون إستشهادي على يد أعدائي ، لكن قَدري ان يكون إستشهادي على أيدي زملائي ، وان اطلب منهم قصفي بسلاحي الذي يُفترض انه يَحميني انا وإياهم . يا لكَ من قَدَرْ ، يا لكِ من نهاية ، ان أُقتل على أيادي زملائي ليس بسبب خيانة ، او تخلٍّ عن الواجب ، ولكن لتفويت الفرصة على العدو ، ولأفتدي وطني وزملائي بدمي . سبحان الله مُقسِّم الأقدار ان أطلب من زملائي قصفي وقتلي ليزداد فخري بنفسي وبهم . قصة كأنها أُحجية . قصة تبدو خيالية . شهادة مُتفردة في الإقدام ، والبسالة ، والإيثار ، نعم الإيثار . كان بإمكانه ان يذهب لخيار آخر مع إحتمالية النجاة والوقوع أسيراً لدى العدو . لكنه رفض ان يكون أسيراً لدى عدوه ، وان يُهدد حياة رفاقه ، وان يُحسب عليه تردداً او تراجعاً او تخوفاً . الموت ولا العار . هذه آخر صيحة . وهذا آخر قرار . يا مرحبا بالموت . الموت ولا العار .

هذا هو جيشنا العربي ، وهؤلاء هم أبطاله ، وهذه صفات شجعانه . جيشنا العربي ، جيش أبيّ . جيشنا العربي بك نَفخر ، ولك نَنفر ، واليك نَفِرّْ . هذه ليست بطولة فقط هذه إسطورة مُتفردة في البطولة . في جِنان الخلد يا ملازم أول / خضر شكري يعقوب ، أنت وكل كوكبة شهداء جيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية بكل تخصصاتها ومسمياتها ومهماتها الوطنية .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه