خريج كليات الفنون فنان أم مهندس؟

Stocks6 نوفمبر 2022آخر تحديث :
خريج كليات الفنون فنان أم مهندس؟

أحياناً، تتداخل المفاهيم، فتربك الإنسان في تعامله مع محيطه، وتعوق فهمه له، وتوقعه في حالة من اللايقين؛ ولكن ما هو الحال، حينما تختلط التخصصات، وتتداخل طبيعة المؤسسات التعليمية من فنية وتطبيقية وهندسية، فتدخل قائمة هذه، تخصصات موجودة على أجندة تلك..؟!

الأمر ليس عادياً، إذ يمكن أن يدرس طالب ما، تخصصاً ما، في واحدة من تلك المؤسسات، فيعتبر «فناناً»، ويدرس ثانٍ، نفس التخصص في أخرى، فيعتبر «صنايعياً»، بينما زميلهما، الذي يدرس ذات التخصص، في مؤسسة ثالثة، يكون مهندساً..!

في الواقع، أضحت هذه مشكلة يعيشها المجتمع التعليمي في العالم العربي قاطبة، بمستوياته كافة، وبجوانبه المتعددة؛ بما فيها الجانب الأكاديمي، ويبرز حينما لا تكون المفاهيم الأكاديمية مستقرة، وغير مؤهلة لتحديد التخصصات، وتوصيف المهن، وتختلط عليها حدود ما هو مهنة هندسية، بما هو نشاط فني، بما هو مهنة وحرفة؛ فيتم التصريح لمؤسسات تعليمية ما، مختلفة بطبيعتها وأجندتها التعليمية، أن تدرس تخصصات ذات طبيعة مهنية مختلفة.

وفي النتيجة، يجد المتخرجون أنفسهم حاملين شهادة بنفس التخصص، وإن كان إعدادهم لهذه الشهادة متبايناً، فيواجهون حالات مختلفة من الاعتراف المهني بهم، وبشهاداتهم. وهذا ما يعتبر المستوى القانوني في هذه المشكلة. وهو متعلق بالاعتراف العلمي الذي هو منوط بمؤسسات التعليم العالي، والاعتراف المهني، المنوط بالنقابات والتجمعات المهنية.

هذه المشكلة تبرز على نحو خاص مع تخصصات مثل البرمجة والتصميم والديكور، وغيرها من التخصصات، التي يضمن برنامجها التعليمي شقاً فنياً ثقافياً، وشقاً مهنياً حرفياً صناعياً، وشقاً ثالثاً هندسياً، إضافة إلى الجانب العلمي التكنولوجي.

وفي الواقع، ظهرت هذه المشكلة في عدد من المؤسسات التعليمية، ولا تزال حاضرة في الكثير منها إلى اليوم. لا سيما مع دخول مفاهيم مثل «الفنون والصناعات الإبداعية». بل إن بعض المؤسسات التعليمية العربية مرت بتحولات في هذا الجانب، ما يجعل من سيرتها بمثابة إيجاز واف للمشكلة. وربما كانت سيرة أول كلية للفنون الجميلة في سوريا، مثالاً ساطعاً على ذلك.

تم تأسيس الكلية في العام 1960، وكانت تحمل اسم المعهد العالي للفنون الجميلة ويتبع وزارة التربية ويضم قسمي هندسة العمارة والفنون التشكيليّة. في العام 1963 تحوّل «المعهد» إلى «كلية» تتبع جامعة دمشق. في العام 1970 ألحقت هندسة العمارة بكلية الهندسة المدنيّة، ثم لاحقاً استقلت بكلية خاصة بها، لتصبح كلية الفنون مقتصرة على الفنون التشكيليّة، ولكنها ضمت: الرسم والتصوير، النحت، الحفر المطبوع، الاتصالات البصريّة، العمارة الداخلية «الديكور». في فترة لاحقة، استحدثت كلية للفنون الجميلة والتطبيقيّة في حلب، ثم كلية للفنون في السويداء، ورابعة في جامعة تشرين باللاذقيّة. ومع بداية استحداث جامعات خاصة، تكاثرت كليات الفنون، وتكاثر عدد خريجيها.

صعوبات

د. فؤاد دحدوح عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، تحدث لـ«البيان» مؤكداً أن عدد المتقدمين إلى كليات الفنون الرسميّة هذا العام، بلغ في المرحلة الأولى 2300 بينهم 800 للكلية الأم في دمشق، نجح منهم 1350 في المرحلة الثانية، وهذا العدد سيخضع لغربلة ثانية، اعتماداً على درجة الشهادة الثانويّة، ودرجة النجاح في امتحان القبول، وقدرة استيعاب كل كلية، ثم يتم توزيعه على الكليات الأربع. وبلا شك هذا عدد كبير من الطلاب الذين سيتخرجون من تخصصات تكتنف الضبابية وضعها المهني، وتصنيفها العلمي. وهذا وضع مرشح للتفاقم، حيث لا تزال كليات الفنون الرسميّة، تحرص على قائمة اختصاصات واسعة، بينما كليات الفنون الخاصة تهتم بتخصصين اثنين، تلتبس مرجعيتهما ما بين الفنون والهندسة، وهما: العمارة الداخلية، والاتصالات البصريّة.

وهنا، يبرز السؤال: هل خريج كليات الفنون فيها «فنان» أم «مهندس»؟ علماً أن صفة «مهندس» لا توجد حتى الآن في سوريا، جهة رسميّة تمنحها لهذا الخريج، وإنما هو نفسه يمنحها لنفسه، بدليل انتمائه لاتحاد الفنانين التشكيليين، وليس لنقابة المهندسين. هذا السؤال طرحته «البيان» على عدد من الأكاديميين العاملين في القطاعين الخاص والعام.

د. إحسان العر، الأستاذ في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق وفي إحدى الجامعات الخاصة، أكد لـ«البيان» أن كليات الفنون الخاصة، فهي تجاريّة مرتبطة بعشوائية سوق العمل، ولأن القائمين عليها أدركوا جيداً، رغبة المجتمع العربي وميله لاختصاصيين رئيسيين هما: العمارة الداخليّة «الديكور» والتصميم الغرافيكي، اكتفوا بهما. وهذا يتسبب في الحط من مستوى التأهيل الذي تقدمه المؤسسات التعليمية.

في حديثه لـ«البيان»، أكد د. محمود شيخ الشباب عميد كلية الآداب والعلوم في الجامعة الدوليّة للعلوم والتكنولوجيا الخاصة في دمشق، أن جامعات العالم الإسلامي، من الأطلسي إلى كوالالمبور، لا تحمل مواصفات الجامعات الحقيقيّة المؤسسة على الحريّة الفكريّة، فالجامعات الصحيحة هي التي تأسست عندما خرجت من سلطة الكنيسة، وكانت في البداية جامعات خاصة غير ربحيّة، هدفها الرئيس صرف مردودها المالي على النفقات العلميّة والعاملين فيها، وما تبقى يُصرف على البحث العلمي، ما أدى إلى تطورها بحيث أصبحت الجامعات الأوروبيّة تُصنف اليوم في المراتب الأولى، عكس ما هو قائم في العالم العربي والإسلامي. وليس من الغريب أن نعيش هذا التداخل بين التخصصات، وفي الهوية التعليمية للجامعات والمعاهد، فالتعليم بالأصل غير مرتب بسوق العمل والحياة العملية، بينما المحاولات في هذا السياق، تأتي عشوائية ولأسباب غائية تتعلق بأهداف تجارية.

تجربة حديثة

د. حسام دبس وزيت رئيس قسم العمارة الداخليّة بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، ومدرس هذا المقرر في إحدى الجامعات الخاصة، أكد لـ«البيان» أن الفنون مرآة ترصد تاريخ وثقافة المجتمع وبيئته، في حين ترصد فنون التصميم بآلياتها مستوى تطور وتقدم حضارات أو تجمعات سكانيّة، ويتصدر الإنسان في كل منها الوسيلة والغاية، سواء في التسلية أو المنفعة. تجربة القطاع الخاص في التعليم العالي حديثة في سوريا، وقد ارتكزت في معظمها على مناهج تدريسيّة غربيّة، كما اقتصرت على عدد محدود من التخصصات العلميّة والفنيّة دون غيرها. يمكن حصر الاختصاصات الفنيّة في هذه الجامعات بالتصميم المعماري والداخلي والغرافيكي، ولكن في السياق العام تبقى مساحة الالتباس واسعة ما بين الفني والمهني والعلمي. أي بين الخريج الفنان والخريج المهندس والثالث الفني. ولعل لهذه المشكلة من آثار ما يستوجب التوقف عندها، وإعادة تنظيم التخصصات والمؤسسات التعليمية على نحو واضح، وبما يضمن المستوى التأهيلي لدى القبول.

هواية وتخصص

ويُؤكد د. دبس وزيت لـ«البيان» أن تخصصات فنيّة كالرسم والنحت والحفر، يمكن ممارستها كهواية من خلال التجربة، دون الحاجة الفعليّة للانتساب إلى معهد أو كلية، وهذا لا يُقلل من دور التأهيل الأكاديمي لهذه الفنون. وربما كان هذا مؤثراً في تضييع الحدود الواضحة لهذه التخصصات. بينما على النقيض، لا يمكن أن تُمارس تخصصات كالعمارة والتصميم الداخلي، دون وجود تأهيل أكاديمي، حيث لهذه التخصصات مؤسسات ثقافيّة تُشرف عليها، وتضع شروطاً في مخرجاتها وتطبيقاتها على أرض الواقع. كما أن ارتباط مجالات التصميم وأنواع الفنون البصريّة المختلفة، بالعلوم والتقانات التي تلعب دوراً رئيساً في عملية ضبط المحتوى التصميمي، وجعل هذه المجالات أكثر تحديداً. يختم د. دبس وزيت حديثه لـ«البيان» مشيراً إلى أن مجمل التطورات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، التي طالت الإنسان محلياً وعالمياً، فرضت نفسها بقوة على قطاعات التعليم العام والخاص، ما أدى إلى بعض الارتجال في تصميم تخصصات التعليم.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه