الشيخ عودة أبو تايِه .. الرَجُل النابِه

Husam6 فبراير 2022آخر تحديث :
الشيخ عودة أبو تايِه .. الرَجُل النابِه

افاق الاخبارية

الشيخ عودة أبو تايِه .. الرَجُل النابِه

بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
(( الجزء الأول ١-٢ ))

الغالبية العظمى من شبابنا يجهلون تاريخنا بالكامل . والذين لديهم شيء من المعلومات المتناثرة ، غير المترابطة ، احياناً تكون مشوهه ، او ربما غير صحيحة ، او غير دقيقة ، تبدأ معرفتهم منذ الثلث الأول من القرن الماضي . طبعاً ، هذا تجهيل ، وليس جهل ، هو تعتيم ، وتغييب ، وتهميش مدروس ، ومدسوس . عندما تستمع لأحدهم ، يبدو لك وكأن الأردن الوطن هبط كما النيزك من السماء ، لا وجود له ، ولا روابط ، ولا عروبة ، ولا رجال أشاوس ، ولا ديانات سماوية عظيمة ، ديانتين سماويتين عظيمتين ، يدين بهما ما يزيد عن ( ٧٠٪؜ ) من سكان العالم . القصد من هذا التجهيل انهم يودون ان يظهروننا بأننا بلا تاريخ ، ولا أصول ، ولا رجالات ، ولا قيادات ، ولا حتى قيم ، ولا أخلاق ، وكأن الوطن والشعب قد أتوا بنفخة من روح ما .

وعليه أخذت عهداً على نفسي ، وإستجابة لطلب العديد من القراء الكرام ان أستمر في التذكير برموزنا الوطنية من جيل المؤسسين . وهنا أتشرف بان أتحدث عن الشيخ / عودة ابو تايه . ولد شيخ قبيلة الحويطات ، الشيخ / عودة بن حرب بن صباح بن فرج بن محمد بن فرج بن فرج بن سلامه بن علوان بن قبال بن حويط بن غازي أبو تايه الحويطي ( أبو عناد) ، و ( أخو عليا ) التي كان ينتخي بها ، ولد على الأرجح عام ١٨٥٠ ، في منطقة تقع بين رأس النقب ، وجبال طويق . والحويطات هم مجموعة من العشائر العربية البدوية ، تقيم مضاربها في الجزء الجنوبي من الاردن ، حول معان ، وفي ارض الشراة . قبل الثورة العربية الكبرى ، كانت قبيلة الحويطات تسيطر على المناطق الممتدة من شمال السعودية الى الحجاز جنوباً ، ومن صحراء النفوذ الكبير شرقاً الى الأردن ، والنقب ، وسيناء ، والسويس غرباً . ويعتقد ان الحويطات هم من بقايا العرب الأنباط الذين أسسوا وأنشأوا دولة الانباط في القرنين الأول قبل الميلاد ، والأول بعد الميلاد .

الشيخ / عودة أبو تايه ، هو الإبن الرابع من بين خمسة أشقاء ، وأُخت واحدة . عمل والده الذي كان شيخاً لقبيلة الحويطات على تنشئته تنشئة قاسية ، فعلّمه فنون الفروسية ، والحرب ، والزعامة التي آلت اليه ، نظراً لصفاته القيادية . عُرف عنه قيادته للمعارك بنفسه ، مما أكسبه رُعباً يدُب في قلوب من يتوجه لغزوهم او محاربتهم ، وكان لذلك ثمناً ، حيث أُصيب بجروحٍ كثيرة غطت جسده ، وله مقولة في ذلك : (( في جسدي إثنان وعشرون جرحاً ، أعزها عليّ الجروح الأخيرة ، لأنها كانت من أجل عِزّ العرب ، ولن أبخل على أمتي وقومي بما تبقى من سليم في جسدي – والله على ما أقول شهيد – الى يوم الدين )) . كان أخو عليا يرى ان كل تضحية تهون في سبيل إدراك هذه الغاية النبيلة ، والعقيدة الحقة ، عقيدة الحق للأمة ، والخير للوطن ، والكرامة لأبناء الوطن والأمة . كان شجاعاً كريماً كرماً حاتمياً ، لا يتردد في إبداء كرمه حتى لو أدى لفقره . كان متسامحاً ، بسيطاً ، متواضعاً ، جسوراً ، كبيراً ، مستكبراً عند لقاء الأعداء . وكان يعتز بتقاليده البدوية الأصيلة ، حيث ترجمها قولاً وفعلاً ، عندما قال للأمير / فيصل ابن الحسين ، بعد تحرير العقبة : (( إن ما يأتيني من الخدمة ، إنما هو خدمة لأُمتي ، وآمل .. بل أرى ان من الواجب ان كل عربي بدوياً كان او حضرياً ، عليه ان يحذو حذوي في خدمة أمته ووطنه )) . بهذا الموقف إستطاع أخو عليا ان يوائم بين العقيدة والسلوك ، وبين المباديء والواقع ، وبين الأخلاق والمصالح ، وان يوفِّق بين طرفي التناقض ، بالإرتقاء الى القيم النبيلة ، والمُثل العليا . كان مقاتلاً عنيداً ، شرساً ، قوي البُنية ، ضامر البطن ، خفيف الحركة ، يمشي منتصباً كالرمح ، جبهته عريضة ، وأنفه حاد مقوّس كمنقار الصقر . كان الشيخ عودة يتمتع بجسم قوي ، قيل انه يشبه أجسام المحاربين القدامى ، وظل قوياً ورشيقاً حتى مرضه ، ويمتلك قواماً منتصباً كالرمح ، لم يتغير هيكل جسده ابداً بالرغم من تقدمه بالسن ، وكثرة الجراح في جسده ، وبقي عموده الفقري مستقيماً لم تحنهِ عمليات الكي ، التي كان يستعملها للتشافي من طعنات السيوف او لاخراج الرصاصات ، ولا غرابة في ذلك لانه اشترك في اكثر من (( ٢٧ )) واقعة ومعركة خلال الثورة العربية الكبرى لوحدها . كان شعره يميل الى السواد اكثر منه الى الشيب الأبيض ، وكان يستعمل أسنانه كثيراً في حياته العملية ، حتى قيل انه كان يفك حبال المضارب في أسنانه ، ويُعدِّل السيوف والخناجر بها ، كان طويل القامة ، خفيف الحركة ، نشاطه يشبه نشاط الفتيان ، واسع العينين ، حاد النظر ، وجهه شاحب متجعد ، جبهته عريضة ، ذقنه مدبب ، شارباه عريضان ، ويتمتع بصوت جميل عندما يغني الهجيني ، صوته جهور جذاب عند الحديث . كان الشيخ / عودة يتصف بحبه للإعتراف بالجميل ورده لصاحبه بأكثر منه ، وقيل انه كان يتذلل بكبرياء لمن يقدمون له جميلاً ، او معروفاً ، او هدية ، او مساعدة ، ويتمنى الإستعجال برد الجميل الى أصحابه ، حتى لو كان الرد يودي بحياته او حياة أولاده ، وقد ضحى بأكثر من ولد عزيز عليه من أولاده وهو يرد الجميل للآخرين . وكان الشيخ عودة اذا حدّث صدق ، واذا وعد لا يُخلف أبداً .

كان لا يُجارى في كرمهِ . وكان يُلقب ( بعقيد القوم ) ، بيت الشَعر الذي يقطن فيه على ( ٧ ) أعمدة ( وِسَّطْ ) مسوبع ، يعتاش من تربية الأغنام والإبل . توفي والده حرب ، وهو بعمر ( ١٤ ) عاماً ، فتولى زعامة القبيلة في سنٍ مُبكرة ، لان أخاه الأكبر محمد قُتِل في إحدى المعارك . فأثبت الشيخ / عودة نبوغاً ، وقدرة على القيادة ، وبرزت صفاته القيادية في سن مبكرة . كما إشتهر بشخصية متميزة ، فكان فارساً شجاعاً ، جريئاً ، تجلت فروسيته في الحروب العديدة التي خاضها ، حيث كان مقاتلاً عنيداً وشرساً . وهذا اكسبه إعتراف عشيرة التوايهه بزعامته ، وقبيلة الحويطات أجمع ، وعليه أخذ لقب (( عقيد القوم )) ، أي الرجل الذي عقد جميع رجال الحويطات بانه كفؤ للقيادة . قبل هذا لم يكن هو شيخاً لقبيلة الحويطات ، لأن شيخة قبيلة الحويطات كانت محصورة في عشيرة الجازي . فوصل بفرسانه وغزواته وحروبه الى معظم أطراف الجزيرة العربية ، ونجد ، وغزا الجيش البريطاني في العراق ، ووصل الى مدينة حلب .
(( يتبع الجزء الثاني ))

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه