ضاعت إبتسامة .. بسام العمارين

Husam30 يناير 2022آخر تحديث :
ضاعت إبتسامة .. بسام العمارين

افاق الاخبارية

ضاعت إبتسامة .. بسام العمارين

بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه

يُفترض في الأوطان ان تكون مصدر أمان ، وإستقرار لمواطنيها ، وحتى قاطنيها . أما نحن في الاردن الحبيب ( ما على لُونَّا لونْ .. ولا مِثل بَينّا بَيّنْ ) ، ( طَسّْنا البَيّنْ ) . تغير كل شيء في وطني وانحدر الى الأسوأ ، لا بل حتى وجودياً وضعه في خطر .

ما دفعني لكتابة هذا المقال ، ألمٌ ، وتشاؤمٌ ، وحسرة إعترتني ، عندما قرأت منشوراً الى صديق عمري ، ورفيق دربي ، المهندس الجيولوجي السيد / بسام مجلّي العمارين ( أبو مجد ) . إقتبَس صديقي أبا مجد نصّاً مما خَطَّهُ قلم الكاتب الكبير الأستاذ / محمد الماغوط . وأرى انه حتى تتضح الصورة ، سأسرده للقُراء الكرام نصاً ، العنوان : — [[ سأخون وطني : من الغباء ان أُدافع عن وطنٍ لا أملك فيه بيتاً . من الغباء ان أُضحّي بنفسي ليعيش أطفالي من بعدي مشردين . من الغباء ان تُثّكل أمي بفقدي وهي لا تعلم لماذا مُتّْ . من العار ان أترك زوجتي فريسة للكلاب من بعدي . الوطن حيث تتوفر لي مقومات الحياة ، لا مُسببات الموت ، والإنتماء كذبة إخترعها الساسة لنموت من أجلِهم ! لا أُؤمن بالموت من أجل الوطن ، الوطن لا يخسر أبداً ، نحن الخاسرون . عندما يُبتلى الوطن بالحرب ، يُنادون الفقراء للدفاع عنه ، وعندما تنتهي الحرب يُنادون الأغنياء ليتقاسموا الغنائم ، في وطني تمتليء صدور الأبطال بالرصاص ، وتمتليء بطون الخونة بالأموال ، ويموت من لا يستحق الموت على يد من لا يستحق الحياة ]].

هل شعرتم بمرارة النص ، وعمق ، وخطورة محتواه !؟ هزتني الكلمات ، ونفرت الدمعات ، وتحسرت على ما وصلت اليه أحوالنا وحال صديقي ابا مجد ، كواحدٍ منا . لا أعتقد ان تأثير هذا النص المحزن الخطير ، قد تساوت انفعالات الجميع تجاهه ، أبداً . من يعرف صديقي أبا مجد معرفة حقيقية ، دقيقة ، وعن قرب شديد ، ورأيه السديد ، ويعرف هذا الرجل القومي الصلب ، الذي لم يهادن ، ولم يُساوم ، ولم يتوانَ عن خدمة وطنه الاردن ، وعددٍ من الأقطار العربية والأجنبية ، خدمها بشرف وأمانة وعفة ، رغم مشقة وصعوبة مهنته .

ما الذي غيّر نظرة صديق عمري ابا مجد ، الجريء ، الجسور ، المقدام ، المعطاء ، الكريم ، المبتسم ، الذي له من اسمه نصيب ، المتفاءل !؟ لنطلع على مصداقية النص ، وعمق مدلولة ، وصحة مضمونه ، لابد من تفنيده . بداية فان مدلول العنوان ( سأخون وطني ) ، ويُقصد بالخيانة هنا معنى مجازياً ، اي التقصير مع الوطن ، وانه لن يقدِّم روحه للوطن ، حيث يرى المؤلِّف العظيم محمد الماغوط ، ان تعريف الوطن : هو الوطن الذي يؤمِّن لمواطنيه المسكن والعيش الكريم ، والحياة الكريمة المادية والمعنوية ، من كرامة ، وحرية .. الخ . ويصل المؤلِّف الى استنتاج هو : ما دام الوطن لا يوفر متطلبات العيش الكريم ، فلماذا أضحي بنفسي من أجله !؟ وهل قدّم له الوطن ما يستوجب تضحيته !؟ وفقد اطفاله وعائلته له ، ليزدادوا شقاءاً ، وتعاسة ، وفقراً . ولماذ يضحي بنفسه ويفتدي وطنه هو ومن شابهه من الفقراء وهم منسيون ، مهمشون ، ولا يتم استدعائهم الا للقتال والتضحية بحياتهم ، وعند كسب الغنائم وتقاسمها ، يتم تقاسمها بين الأغنياء . وهل تستقيم الأمور عندما يكون المواطن مع وطنه في الغُرم ، ويُنسى ويُهمّش عند الغُنم !؟ العلاقة بين المواطن والوطن ، تنحصر في شيئين إثنين لا ثالث لهما ، وهما : الحقوق والواجبات . وحتى تستقيم العلاقة ، وتتوازن ، يجب على الوطن ان يُقدم للمواطن حقوقه التي توجب على الوطن تقديمها ، ليأتي بعد ذلك دور المواطن ليرد الجميل لوطنه الذي انصفه واحترمه بتقديم ما عليه من واجبات تجاه وطنه ، عندها سيقدم المواطن كل ما يملك تجاه وطنه حتى لو وصل الأمر حَدَّ تقديم روحه تجاه وطنه طائعاً ، مختاراً ، وعن رضى ، وطيب خاطر .

اذا كان صديقي ابا مجد هذا الوطني العروبي الصلب ، وجد ان هذا النص يعبر عن حاله هو وابناء جلدته من الاردنيين ، اذا علينا ان نتساءل ، ونراجع انفسنا .

مشكلات وطننا كثيرة جداً ومتعددة ، لكن اسبابها يمكن تلخيصها بسوء ادارة الوطن منذ عقدين من الزمن . انحدر فيها الوطن بكل مرافقه ، فإبتأس المواطن ، واخذ اليأس مأخذه . والعجيب ان لا احد يلتفت لانحدار الوطن ، لا بل وضياعه وجودياً . فلا نهج تغير ، ولا حكومات تتفكر . حتى اصبح الوطن والمواطن كما الايتام على مآدب اللئام . وهنا تساؤل كبير وخطير ، لماذا لا يُضحي ابناء الاغنياء وكبار المسؤولين من أجل الوطن !؟ هل وجدتم منهم جندياً يحرس الحدود في البرد القارص والصيف اللاهب !؟ هل إستشهد أحد أبناء كبار المسؤولين وضحى بحياته كما فعل النقيب الشهيد البطل / محمد الخضيرات ، قبل أيام !؟

قال الماغوط : – الوطن حيث تتوفر لي مقومات الحياة لا مسببات الموت . وأضاف ان الانتماء كذبة اخترعها الساسة لنموت من اجلهم . أليس هذا هو الواقع !؟
على فكرة هذه المشاعر اصبحت تنتشر بين الناس في وطننا الحبيب المنهوب . وسبق لي ان كتبت مقالاً قبل سنوات بعنوان ( الإنتماء .. لمن ؟ ولماذا ؟ ) ، بعد ان سمعتها من شباب في وقفات احتجاجية لمعاناتهم من البطالة لسنوات طويلة .

يبدو ان الاوطان تُكَرَّم ، وتُفتدى من قِبل الفقراء البسطاء ، وتُهان ، وتستغل ، وتنهب من الساسيين . معك كل الحق صديق عمري أبا مجد ، والشكر للكاتب الكبير الاستاذ / محمد الماغوط ، الذي كشف هواننا وإستغلالنا ، من قِبل من يسيرون شؤون أوطاننا ، الذين يستغفلوننا ، ويستنجدون بنا ، ويستدعوننا عند الغُرم ، وينسوننا عند الغُنم . وأختم بأبيات من نشيد الصعاليك للشاعر / حيدر محمود ، ألقيت في مهرجان عرار الشعري الأول عام ١٩٨٩ ، قبل إنطلاق هبة نيسان :-
عفا الصفا .. وانتفى يا مصطفى / وعلت .. ظهور خير المطايا شرُّ فرسانِ
فلا تَلُم شعبك المقهور إن وقعت / عيناك فيه على مليونِ سكرانِ
قد حَكَّموا فيه أفاقين ما وقفوا / يوماً بإربدَ او طافوا بشيحانِ
ولا بوادي الشِّتا ناموا ولا شرِبوا / من ماء راحوب او هاموا بحسبانِ
فأمعنوا فيه تشليحاً وبهدلةً / ولم يقُل أحدٌ لا كانِ ولا ماني
فليس يردعُهم شيئٌ .. وليس لَهُم هَمٌّ / سوى جمعِ أموالٍ وأعوانِ .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه