
عدنان نصّار
لم يعد الجدل حول أداء وزارة الإدارة المحلية رأيًا أو انطباعًا،
بل واقعًا يوميًا يعيشه المواطن في الشارع،
وفي البلدية،
وفي تفاصيل خدمات لم تعد تحتمل التأجيل.
فالوزارة التي يُفترض أن تقود ملف البلديات والتنمية المحلية،
تكتفي منذ سنوات بإدارة المشهد إعلاميًا،
بينما تُدار البلديات فعليًا بعقلية إطفاء الحرائق،
دون حلول جذرية،
ودون رؤية تُنقذ هذا القطاع من الانهيار البطيء.
ديون البلديات لم تعد رقمًا عابرًا،
بل أزمة مزمنة تتضخم عامًا بعد عام،
في ظل غياب خطط إنقاذ حقيقية،
واستمرار تحميل المجالس المحلية مسؤوليات بلا أدوات،
وصلاحيات شكلية لا تُسمن ولا تُغني عن خدمة.
فالوزارة تعرف حجم العجز،
وتدرك اختلال الموازنات،
لكنها تُصرّ على خطاب مطمئن لا يعكس حجم الكارثة.
أما ملف الصلاحيات،
فيمثّل أحد أكثر مظاهر الفشل وضوحًا.
مجالس منتخبة بلا قرار،
ورؤساء بلديات يُحاسَبون على نتائج لا يملكون مفاتيحها..وثمة ‘مناكفات” في حل المجالس والتعيينات ، ليس للمواطن أي شأن فيها..
وقانون إدارة محلية يُستخدم للتقييد والرقابة،
لا للتمكين والمساءلة العادلة.
وهو خلل بنيوي تتحمّل الوزارة مسؤوليته السياسية والإدارية.
وفي ذروة هذا التعثر،
يبرز اتجاه مقلق يتمثل في الهروب نحو فكرة الخصخصة،
وكأنها الحلّ الجاهز لأزمات البلديات.
خصخصة مرفوضة شعبيًا،
لا لأن الناس يرفضون التطوير،
بل لأن خدماتٍ الخصخصة تعني أعلى كلفة،
وأقل عدالة،
وأضعف رقابة.
الخصخصة، كما تُطرح اليوم،
ليست إصلاحًا إداريًا،
بل انسحابًا رسميًا من المسؤولية،
ونقلًا لعبء الخدمة إلى جيب المواطن،
في وقتٍ يعاني فيه أصلًا من ضيق المعيشة.
وهي ليست حلًا لأزمة الإدارة،
بل التفافٌ عليها،
ومحاولة لتجميل الفشل بدل معالجته.
فالبلديات لا تحتاج بيع ما تبقّى من خدماتها،
بل تحتاج إدارة كفؤة،
وصلاحيات حقيقية،
ومحاسبة شفافة،
وإرادة سياسية تعترف بالخلل،
وتُصلحه من الداخل،
لا أن تهرب إلى حلول سهلة ظاهريًا… مكلفة اجتماعيًا.
الأخطر من كل ذلك،
غياب الشفافية والمكاشفة.
لا تقارير أداء واضحة للرأي العام،
ولا كشف حقيقي لمصير الأموال،
ولا محاسبة جادة للمجالس الفاشلة أو الإدارات المقصّرة.
فالكل يتحدث،
ولا أحد يتحمّل المسؤولية.
وزارة الإدارة المحلية مطالبة اليوم،
لا بحملة علاقات عامة جديدة،
ولا بخطاب تجميلي،
بل بمواجهة الحقيقة كما هي:
إعادة هيكلة البلديات،
معالجة الديون بقرارات شجاعة لا بترحيل الأزمة،
تعديل التشريعات بما يمنح المجالس صلاحيات فعلية،
ووضع معايير أداء تُقاس بالأثر لا بالكلام.
المواطن الأردني لم يعد يطلب وعودًا،
ولا بيانات منمّقة،
بل إدارة تحترم عقله،
وتعترف بإخفاقها،
وتنتقل من إدارة الصورة إلى إدارة الواقع.
فالترويج لا يصنع تنمية،
والمجاملات لا تُصلح خللًا،والتصوير لا يصنع عبقرية الأداء..
وإدارة العجز لا يمكن أن تُنتج إنجازًا.
وزارة الإدارة المحلية أمام استحقاق وطني حقيقي:
إمّا إصلاح جاد يعيد للبلديات دورها،
أو استمرار في مسارٍ يدفع ثمنه الناس…
وثقة تتآكل كل يوم.








