
عدنان نصّار
يشكّل قانون الانتخاب في الأردن حجر الزاوية في أي عملية إصلاح سياسي حقيقي. فالقوانين لا تُصنع في الفراغ، بل تعكس موازين القوى في المجتمع، ودرجة النضج الديمقراطي، ومقدار الثقة بين الدولة ومواطنيها. ومن هنا، فإن الحديث عن قانون انتخاب عصري لا يتعلق بتجميل النصوص أو تبديل الصيغ، بل بإعادة تعريف العلاقة بين المواطن ومؤسسات الحكم، وبين الإرادة الشعبية وصناعة القرار.
*الإرادة الملكية والتطلعات الشعبية
منذ تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية عام 2021، بدا واضحًا أن الدولة تتجه إلى مقاربة جديدة للإصلاح السياسي، يكون فيها البرلمان أكثر تمثيلاً وتعددية، والأحزاب أكثر حضورًا وتأثيرًا. إلا أن الواقع الميداني بعد مرور دورات انتخابية متتالية يكشف أن التحول لا يزال بطيئًا، وأن الممارسة الانتخابية ما زالت أسيرة البنى التقليدية، والولاءات المناطقية والعشائرية، وضعف الانخراط الحزبي المنظم.
القانون الانتخابي في صيغته الحالية قدّم خطوة إلى الأمام عبر تخصيص مقاعد للقوائم الحزبية، لكنه لم يصل بعد إلى المستوى الذي يسمح بتشكيل كتل برلمانية قادرة على إنتاج حكومات برلمانية حقيقية، كما نصّت عليه الرؤية الملكية للإصلاح.
*التحدي الأكبر: من الفردية إلى العمل الجماعي
لقد عانى النظام الانتخابي الأردني لسنوات من الفردية السياسية، حيث يترشح الأشخاص على أساس شخصي أو عشائري أكثر منه على أساس برامجي أو سياسي. وهذا ما أدى إلى برلمانات متفرقة في الرؤى، متباينة في الأولويات، عاجزة عن بناء تحالفات أو مراقبة الحكومة بفعالية.
القانون العصري المطلوب يجب أن يُحدث نقلة نوعية من منطق “المرشح الفرد” إلى منطق “البرنامج السياسي”، عبر توسيع التمثيل الحزبي، وتحفيز المواطنين على التصويت بناءً على الأفكار لا الأسماء.
*العدالة في التمثيل.. قلب الإصلاح
قضية العدالة التمثيلية هي جوهر أي قانون انتخابي. فالتفاوت الواضح في حجم الدوائر وعدد المقاعد المخصصة لها خلق إحساسًا عامًا بعدم المساواة في قيمة الصوت الواحد. بعض المحافظات والمناطق تمثل بعدد مقاعد يفوق وزنها السكاني، في حين تبقى العاصمة والزرقاء مثلًا، بأعداد ناخبيها الكبيرة، أقل تمثيلاً في مجلس النواب.
ولذلك، فإن إعادة النظر في تقسيم الدوائر، وتطبيق مبدأ التمثيل النسبي بشكل عادل، يشكلان المدخل الحقيقي لاستعادة ثقة الناخبين بالعملية الانتخابية.
*التكنولوجيا والشفافية.. الضمانة للمستقبل
لم يعد ممكنًا في عصر الثورة الرقمية أن تبقى الانتخابات حبيسة النماذج الورقية والفرز اليدوي. إدخال التحول الإلكتروني في عملية الاقتراع والفرز والرقابة يمكن أن يعزز الثقة والسرعة والشفافية، ويحد من الشكوك التي ترافق أحيانًا نتائج الانتخابات.
كما أن نشر البيانات المفتوحة للناخبين، وإتاحة مراقبة إلكترونية محلية ودولية، يجعل من الانتخابات الأردنية نموذجًا يحتذى في النزاهة بالمنطقة.
*الشباب والمرأة.. طاقة مهدورة تنتظر التمكين
رغم ما تحقق من تقدم رمزي في تمثيل المرأة والشباب، إلا أن حضورهم في البرلمان لا يزال دون الطموح. القوائم الشبابية والنسائية غالبًا ما تُستخدم للتجميل الإعلامي لا للتأثير الفعلي.
القانون العصري يجب أن يذهب أبعد من “الكوتا”، إلى تمكين حقيقي من خلال دعم الأحزاب الشبابية، وخفض سن الترشح، وتوفير بيئة انتخابية عادلة تتيح المنافسة الفكرية لا المالية.
*نحو برلمان يمثل الناس
إن الهدف النهائي لأي قانون انتخاب ليس مجرد تنظيم العملية الانتخابية، بل إنتاج برلمان قادر على التشريع والرقابة وصناعة القرار الوطني. برلمان يعبر عن الشارع الأردني بمكوناته كافة، ويعيد للسياسة معناها الأصيل كفنٍ لخدمة الناس لا للمصالح الخاصة.
القانون العصري هو الذي يفتح الباب أمام ولادة حياة حزبية ناضجة، ويحوّل الناخب من متلقٍ إلى شريك، والنائب من ممثلٍ للمكان إلى ممثلٍ للفكرة.
وعندما يتحقق ذلك، يصبح البرلمان مرآةً حقيقية للمجتمع، لا انعكاسًا لموازين النفوذ، وتتحول الانتخابات من مناسبة عابرة إلى ممارسة وطنية لبناء المستقبل.







