
عماد الشبار
وُلد الإعلامي الأردني علي أسعد في الأردن، ونشأ في بيئة ثقافية واجتماعية دفعت به نحو الاهتمام باللغة والإلقاء منذ سنوات مبكرة. بعد أن أنهى شهادة “المترك” عام 1960، بدأ يوازن بين دراسته الجامعية واهتمامه المتنامي بالصحافة والإعلام. وقد كانت نقطة التحول الأولى في مسيرته انضمامه إلى قسم الصحافة في القسم السياسي التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، وهو ما وفر له فرصة عملية لصقل مهاراته في الكتابة والتحرير.
بعد أربع سنوات من تلك التجربة، تقدّم لامتحان الإذاعة الذي كان يُعقد دوريًا كل يوم اثنين عند الساعة العاشرة صباحًا، بإشراف لجنة متخصصة تضم كبار الإعلاميين والمختصين باللغة والترجمة والأداء الصوتي. وقد اجتاز الامتحان بنجاح، ليبدأ رحلته الفعلية داخل أروقة الإذاعة الأردنية.
دخل علي أسعد دار الإذاعة الأردنية في فترة كان يديرها الراحل عبد الحميد شرف، وتتلمذ على يد الأستاذ الكبير صلاح أبو زيد الذي علّمه أصول الارتجال وفنون الإلقاء المباشر. كان التدريب في تلك المرحلة صارمًا ويعتمد على النزول إلى الميدان؛ إذ شارك في تغطية الفعاليات الوطنية الكبرى، بدءًا من مطار ماركا مرورًا بالاحتفالات الرسمية في قصر زهران، وانتهاءً بالمواكب الملكية والمناسبات الوطنية. هذه الخبرة الميدانية صقلت شخصيته الإعلامية، ووضعته في صف واحد مع نخبة من الإعلاميين الأردنيين البارزين مثل حيدر محمود، محمود الشاهد، نيقولا حنا، وإبراهيم الذهبي.
تميّز أسعد في الإذاعة بأسلوبه الهادئ والواضح، وقدرته على المزج بين الإلقاء الفني والإعداد المتميز للبرامج. وقد شملت برامجه الحوارية والاجتماعية والثقافية والتوعوية، مما جعله صوتًا مألوفًا لدى المستمع الأردني والعربي. ومن أبرز برامجه لاحقًا برنامج “أنت تسأل ونحن نجيب” الذي قدّمه عام 2005، وكان منصة للتفاعل المباشر مع الجمهور حول قضايا حياتية متنوعة.
مع اقتراب انطلاق البث التجريبي للتلفزيون الأردني عام 1968، تلقى علي أسعد اتصالًا من الدكتور عمر الخطيب، مساعد المؤسس الراحل محمد كمال، عُرضت عليه من خلاله فرصة تقديم برنامج رياضي. ورغم أن أجر الحلقة لم يتجاوز أربعة دنانير، فقد كانت التجربة نقلة نوعية في مسيرته.
افتتح مشواره التلفزيوني ببرنامج تناول مشروع مدينة الحسين الرياضية، حيث أجرى مقابلات مع شخصيات بارزة من بينها الأمير رعد بن زيد والشريف فواز شرف. وقد شكّل هذا البرنامج نقطة انطلاقه نحو العمل التلفزيوني، في وقت لم يكن التلفزيون متاحًا إلا للأسر المقتدرة في الأردن.
بعد سنوات من العمل في الأردن، بدأ أسعد رحلته مع الإعلام الدولي. انتقل أولًا إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، حيث اكتسب خبرة جديدة في بيئة إعلامية مختلفة، قبل أن ينضم إلى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في لندن. في “البي بي سي” تفاعل مع أبرز رموز الإعلام الغربي مثل الصحفي البريطاني الشهير جيرمي باكسمان، واطلع على تقنيات حديثة في إعداد الأخبار وتقديمها.
إلى جانب عمله في المؤسسات الدولية، كتب مقالات لعدد من الصحف العربية مثل صحيفة المدينة المنورة السعودية وصحيفة الحياة اللندنية، كما تعاون مع تلفزيون الرياض وتلفزيون أبو ظبي عبر إرسال تقارير سياسية وثقافية. هذا الانتشار عزّز حضوره كإعلامي عربي في الساحة الدولية.
أجرى علي أسعد خلال مسيرته مقابلات مع معظم القادة العرب، ومن أبرز لقاءاته المقابلة مع الملك الراحل الحسين بن طلال خلال افتتاح محطة “MBC FM” الإذاعية، حيث بُث الحوار بعد عشر دقائق فقط من تسجيله. وقد عُرف عنه التزامه بالحياد المهني والرصانة اللغوية، ما جعله يحظى باحترام النخب السياسية والثقافية.
مع تراكم خبراته الواسعة، تحوّل علي أسعد إلى مدرب إعلامي بارز على مستوى العالم العربي. قدّم ورش عمل ودورات تدريبية في دول متعددة، ركّز خلالها على تطوير مهارات اللغة العربية الفصحى، والإلقاء الإذاعي والتلفزيوني، وأخلاقيات المهنة الإعلامية. كان يؤكد دومًا أن الفصحى هي الرابط الجامع بين أبناء الأمة العربية، وأن صوت المذيع يجب أن يختزن الوقار الدبلوماسي إلى جانب القدرة على الإقناع والتأثير.
في عام 2023، أصدر كتابه “ثمانية وخمسون عامًا من الإعلام والأعلام”، وهو عمل توثيقي رصين استعرض فيه مسيرته الممتدة، وأضاء على محطات الإعلام الأردني والعربي منذ ستينيات القرن الماضي. تضمّن الكتاب تأملات شخصية ونصائح مهنية للأجيال الجديدة، كما كشف عن خفايا العمل الإذاعي والتلفزيوني، والتحديات التي واجهها الإعلام العربي في مراحل مختلفة.
يُعتبر علي أسعد اليوم أحد الأسماء المؤسسة في الإعلام الأردني والعربي. فقد جمع بين الممارسة المهنية الصارمة، والتجربة الدولية المتنوعة، والدور الأكاديمي التدريبي الذي أسهم في تخريج أجيال من الإعلاميين العرب. إن صوته الذي انطلق من ميكروفون الإذاعة الأردنية، وصورته التي ظهرت على شاشة التلفزيون، وإرثه التدريبي والكتابي، كلها تجعل منه علامة فارقة في تاريخ الإعلام العربي.








