منبر الكلمة

حلّ المجالس المنتخبة بلا إعلان أو سبب مشروع: عبث دستوري أم استقواء بالسلطة؟

 

بقلم: المحامية الدكتورة ثروت حلواني

الرأي القانوني والدستوري حول قرار وزير الإدارة المحلية بحل المجالس البلدية ومجالس المحافظات وتعيين بدائل دون إعلان سابق ودون انتهاء مدة المجالس.

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أصدر وزير الإدارة المحلية قرارًا يقضي بحل المجالس البلدية ومجالس المحافظات وتعيين لجان بديلة عنها، دون إعلان مسبق، ودون بيان الأسباب، وقبل انقضاء المدة القانونية للمجالس المنتخبة. هذا القرار فتح بابًا واسعًا للنقاش حول مدى قانونيته ودستوريته، وأثار موجة من القلق الشعبي والسياسي على مصير التمثيل المحلي وحق الناخبين في اختيار ممثليهم.
أولًا: الإطار الدستوري للمجالس المحلية

تستمد المجالس البلدية ومجالس المحافظات شرعيتها من الإرادة الشعبية التي تجسدت من خلال الاقتراع العام والمباشر، وهي تشكّل ركيزة من ركائز الحكم المحلي اللامركزي الذي نص عليه الدستور الأردني، وأكدته قوانين اللامركزية والإدارة المحلية.

وإذا كان القانون يمنح مجلس الوزراء صلاحية حل المجالس بناءً على تنسيب الوزير المختص، فإن هذه الصلاحية يجب أن تُمارس ضمن ضوابط دقيقة، منها:
• ضرورة توافر مبرر قانوني واضح ومشروع.
• الالتزام بمبادئ الشفافية والإفصاح المسبق.
• احترام المدة القانونية والدستورية لولاية المجالس.
• مراعاة مبدأ سيادة القانون وتوازن السلطات.

ثانيًا: انحراف واضح في استعمال السلطة

من المبادئ المستقرة في القانون الإداري أن كل قرار يجب أن يستند إلى سبب مشروع، وأن يُمارس في إطار تحقيق المصلحة العامة لا الخاصة. وفي الحالة المطروحة، فإن القرار قد جاء:
• دون بيان الأسباب أو إعلان عام.
• دون إجراء تحقيقات موثقة أو إشعارات رسمية بوجود تقصير جسيم.
• دون احترام المدة القانونية التي منحها القانون للمجالس المنتخبة.

وهذا ما يفتح الباب أمام شبهة الانحراف في استعمال السلطة، والتعسف الإداري، ومخالفة مبدأ المشروعية، وهو ما يُعدّ موجبًا قانونيًا لإبطال القرار قضائيًا.

ثالثًا: خرق لإرادة الناخبين والمبادئ الديمقراطية

الانتخاب ليس مجرد إجراء شكلي يتم كل أربع سنوات، بل هو تعبير سيادي عن إرادة الشعب التي يجب احترامها طوال مدة التفويض. وإن حل المجالس المنتخبة قبل انقضاء مدتها وبدون مبرر معلن يُعدّ اعتداءً على هذه الإرادة، ويمثل انتكاسة حقيقية للمبدأ الديمقراطي الذي يوجب احترام نتائج الانتخابات حتى نهايتها، ما لم يكن هناك خلل قانوني جسيم يستوجب خلاف ذلك.

رابعًا: غياب الشفافية وافتقاد القرار إلى المشروعية السياسية

كان من المتوقَّع، وفق أبسط قواعد الشفافية، أن يُسبق هذا القرار بحوار عام أو تقرير تقييمي يبرر هذا الإجراء الجذري. لكن ما حدث هو تغييب كامل للرأي العام، وتجاهل للصحافة والمجالس المحلية، واستبدال للمجالس بلجان غير منتخبة، ما يُفقد القرار أي مشروعية سياسية أو أخلاقية.

خامسًا: السبل القانونية للطعن

أمام هذا القرار، يظل الباب مفتوحًا للطعن القضائي أمام المحكمة الإدارية، التي تملك صلاحية:
• إلغاء القرار إذا ثبت انعدام سببه.
• إعادة المجالس المنتخبة إلى عملها إذا ثبت الانحراف بالسلطة.
• مراجعة مدى احترام القرار للمبادئ الدستورية المتعلقة بالمشاركة الشعبية والتعددية.

ويحق لكل عضو في المجالس المنحلة، أو كل من له مصلحة مباشرة، الطعن في هذا القرار خلال المدة القانونية.

واخيراً ان تجاوز خطير للسلطة يتطلب موقفًا وطنيًا.
إن ما جرى لا يمكن اعتباره قرارًا إداريًا عاديًا، بل هو تعدٍّ مباشر على مبدأ الانتخاب، وتجاوز للدستور، وتفريغ لفكرة اللامركزية من مضمونها. ويجب أن يُواجَه هذا القرار ليس فقط عبر القضاء، بل من خلال موقف وطني يطالب بإعادة الاعتبار للإرادة الشعبية، وحماية المجالس المنتخبة، ووقف الاستقواء الإداري على الصناديق.

إن احترام المسار الديمقراطي يبدأ من احترام أبسط أشكاله: المجالس التي انتخبها المواطنون بحرّ إرادتهم.

بقلم: المحامية الدكتورة ثروت حلواني
أستاذة القانون الدستوري – باحثة في قضايا الحكم المحلي والحقوق السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى