
لم تعد مسألة رفع رواتب الموظفين ترفاً ولا مطلباً عابراً بل أصبحت واجباً على الحكومة في ظل تجمّد الرواتب لسنوات طويلة مقابل موجات متلاحقة من ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة.
الموظف اليوم يواجه التزامات قاسية قروض بنكية تستنزف دخله، أسعار تتصاعد بلا سقف، واحتياجات أساسية أصبحت تفوق قدرته الشرائية.
وهنا يصبح الحديث عن زيادة الرواتب حديثاً عن بقاء كرامة الإنسان لا عن تحسين مظهر حياته حيث يطرق الأبواب كرماء يستدينون ثمن الخبز وحليب الأطفال ومصروف الابناء وفواتير الكهرباء والماء
ندرك جميعاً أن رفع الرواتب سيُحدث ضغطاً على ميزانية الدولة، وهي ميزانية متآكلة أصلاً وتعتمد بشكل كبير على القروض والمنح لسد نفقاتها.
هذا المسار غير قابل للاستمرار، وما لم تتخذ الحكومة خطوات جادة فسنكون أمام نتائج كارثية على الاقتصاد الاجتماعي وعلى استقرار الأسر.
ومن الحلول العملية أن يكون رفع الرواتب موجهاً لشريحة الموظفين محدودي الدخل ممن تقل رواتبهم عن حدّ معين، بحيث لا تشمل الزيادة أصحاب الدخل المرتفع. فالدعم يجب أن يصل لمن هم أكثر حاجة، لا أن يُوزع بالتساوي على الجميع دون النظر لاختلاف الظروف وهذه هي العدالة لا المساواة فليس من المقبول ولا من المعقول ان نصرف زيادة خمسين دينار مثلا لمن يتقاضى راتبا مقداره ثلاثة الاف وخمسين دينارا لمن يتقاضى راتبا مقداره ثلاثمائة دينار
كما أن من المهم إيقاف الكثير من المكافآت التي تُصرف شكلياً ولا يقابلها عمل حقيقي، إذ تستنزف هذه المكافآت جزءاً كبيراً من الإنفاق العام دون عمل حقيقي يوازي هذه المكافآت ، ويمكن إعادة توجيه هذه الأموال لدعم الموظف الذي يعيش ضغوطاً معيشية حقيقية.
ويبقى المطلوب أن توازن الحكومة بين تحسين مستوى معيشة المواطن كضرورة ملحّة وبين إعادة ضبط الإنفاق العام عبر التخلص من النفقات التي تقع تحت بند الرفاهية والكماليات.
فهناك مصاريف رسمية يمكن إعادة هيكلتها، ومشاريع يمكن تأجيلها، وبنود إنفاق يمكن ترشيدها دون أن تمس الخدمات الأساسية أو تمس أمن المواطن وحقوقه.
رفع الرواتب ليس حلاً لوحده، لكنه خطوة أولى في طريق إصلاح اقتصادي واجتماعي أكثر عدلاً.
حان الوقت لإعادة ترتيب الأولويات،
ووضع المواطن في مقدمة الاعتبارات، لا في آخر قائمة الحسابات.
مطلق الحجايا







