Uncategorized

بلدية إربد الكبرى: أعلى الإيرادات في عهد المجلس السابق… حين تتحوّل وزارة الإدارة المحلية من شريك تطوير إلى طرف في الخصومة

 

عدنان نصّار

في الدول التي تحترم منطق الإدارة العامة، يُقاس النجاح بتراكم الإنجاز لا بإلغائه، وبالقدرة على البناء على ما تحقق لا على هدمه بدوافع سياسية أو نفسية. لكن ما تشهده بلدية إربد الكبرى اليوم يطرح سؤالاً مقلقاً: هل نعيش أزمة إدارة محلية، أم أزمة عقلية إدارية ترى في النجاح إلا تهديداً يجب الانتقام منه؟
الأرقام، بعيداً عن الضجيج، تؤكد حقيقة لا يمكن القفز عنها. بلدية إربد الكبرى حققت أعلى إيرادات في تاريخها خلال فترة المجلس البلدي السابق، وهي حقيقة مثبتة في بيانات رسمية، وكان يفترض أن تُشكّل نقطة ارتكاز لتطوير الأداء المالي والخدمي، لا مدخلاً للتشكيك ولا ذريعة لفتح معارك جانبية عنوانها الظاهر “التصويب”، وباطنها الواضح “تصفية الحساب”.
المقلق ليس النقد بحد ذاته، فكل تجربة عامة قابلة للمساءلة، بل طريقة النقد وانتقائيته وتوقيته وما يرافقه من خطاب يوحي بأن الوزارة تتعامل مع المجالس البلدية السابقة بوصفها خصماً سياسياً لا شريكاً إدارياً. وزارة الإدارة المحلية، بدل أن تمارس دورها الطبيعي كجهة إشراف وتقييم، تبدو وكأنها أسيرة عقلية “ثأرية”، ترى في أي إنجاز تحقق خارج مظلتها المباشرة تهديداً لصورتها، لا فرصة لتعزيز مفهوم العمل المؤسسي. وهنا يتحول السؤال من: كيف نطوّر البلديات؟ إلى: كيف نثبت أن من سبقنا كان فاشلاً؟
الوزارة غارقة في خطاب النجاح الإعلامي، حيث تُدار الملفات عبر التصريحات، وتُقاس الإنجازات بعدد المؤتمرات لا بنتائجها على الأرض. نجاح يُعلن عنه قبل أن يلمسه المواطن، وتقييم يُبنى على الانطباع لا على المؤشرات. والأخطر من ذلك أن هذا الخطاب لا يقدّم بدائل حقيقية، بل يكتفي بتقويض التجربة السابقة وكأن المطلوب هو محو الذاكرة الإدارية لا تصحيح المسار.
في هذه المعركة غير المعلنة، لا يخسر مجلس سابق ولا ينتصر مسؤول حالي. الخاسر الوحيد هو المواطن في إربد، والخدمة البلدية، والثقة بمفهوم الإدارة المحلية برمته. فعندما تُدار البلديات بعقلية كسر العظم، تتعطل المشاريع، وتتوقف المبادرات، ويُستنزف الوقت في مراجعة الماضي بدل التخطيط للمستقبل.
الفشل الإداري يمكن تصحيحه، أما العقلية الثأرية فهي فشل بنيوي لأنها ترفض الاعتراف بإنجاز الآخر، وتعدي فكرة التراكم، وتحوّل الدولة إلى سلسلة بدايات صفرية. هذه العقلية، إن استمرت، ستجعل كل مجلس بلدي مشروع ضحية مسبقة للمجلس الذي يليه، وكل إنجاز مؤقتاً إلى أن يتغير المزاج السياسي.
ليس الدفاع عن مجلس سابق، ولا الهجوم على إدارة حالية، بل المطلوب تقييم موضوعي مبني على الأرقام لا النوايا، والاعتراف بأن تجربة إربد المالية كانت ناجحة في جانبها الإيرادي، وإنهاء منطق الإفشال المتعمد، وإعادة تعريف دور وزارة الإدارة المحلية كشريك تطوير لا طرف صراع. فالبلديات ليست غنائم سياسية، ولا ساحات اختبار للنفوذ، ولا منصات لتصفية الحسابات المؤجلة.
الدولة التي تحترم هيئاتها المنتخبة ، لا تخجل من نجاحاتها، حتى إن جاءت على يد غيرها، والوزارة التي تخشى إنجاز المجالس المنتخبة ليست وزارة إدارة محلية، بل وزارة إدارة خصومات. إربد لا تحتاج إلى معارك، بل إلى عقل بارد وإدارة ناضجة وسياسات ترى في النجاح العام مكسباً وطنياً لا خسارة شخصية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى