منبر الكلمة

القدس في فكر الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد

القدس قضية شخصية لدى الهاشميين وخط أحمر عند كل أردني

كتب الصحفي: محمدخير بشتاوي

ترتبط مدينة القدس بحياة الهاشميين على مدى عدة أجيال، فهي مسرى نبي الأمة سيد الخلق ومعراجه، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، النبي العربي الهاشمي الأمين، وقد ارتبط الهاشميون تاريخياً بعقد شرعي وأخلاقي مع المقدسات الإسلامية، ومنذ أكثر من مئة عام، فحملوا أمانة الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
والعائلة الهاشمية لم تكن يوما مجرد قيادة سياسية، بل كانت وما زالت حامية للإرث العربي والإسلامي في فلسطين، وراعية للوحدة والكرامة والمصير المشترك بين الأردن وفلسطين.
ومنذ مبايعة الفلسطينيين للشريف الحسين بن علي الهاشمي، عام 1924، بالوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، رفضت المملكة الأردنية الهاشمية كل طلب أو محاولة أو سعي للتخلي عن هذا الدور، وظلت رعايتها للمقدسات مطلبا ثابتا على الدوام؛ مؤكدة مبادئ الشريف الحسين بن علي، بالتمسك بكل شبر من أرض فلسطين وفي مقدمتها القدس، والدعوة إلى حريتها وصون مقدساتها.
وعلى خطاه سار الملك عبد الله الأول في الدفاع عن فلسطين والقدس، حيث استشهد على عتبات المسجد الأقصى، وعلى نهجه كانت جهود المغفور له الملك طلال بن عبد الله.
وكرس بعده جلالة الملك الباني الراحل الحسين حياته لحماية القدس ونشرالسلام، فأصدر عام 1954 قانونا أردنيا يقضي بتشكيل لجنة تعنى بإعمار المسجد الأقصى المبارك، مما أضفى على رعاية المقدسات طابعا مؤسسيا دائما، وأسهم في تعزيز الهوية العربية والإسلامية للقدس عبر تنفيذ مشاريع إعمار مستدامة ودعمها ماديا ومعنويا.
وواصل جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني الاهتمام والوصاية ، مؤكدا أن واجب المملكة حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، وأن القدس خط أحمر.
وفي السياق ذاته وعلى النهج نفسه يسير سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد وسند والده جلالة الملك عبد الله الثاني في حمل أمانة الوصاية على القدس التي لها أولوية متقدمة في فكر سموه.
وسموه سياسي وأمير وقائد هاشمي فذ من الجيل الشبابي القيادي، الذي يجمع بين التقاليد والأعراف الهاشمية الأصيلة المتوارثة والعريقة من حكم بني هاشم الأخيار، وهو مثال حي وشامخ على هذا العرف الهاشمي التاريخي الانساني الحضاري.
ويركز سموه في منشور له عبر موقع انستغرام عقب حضوره، في أيار ‏٢٠١٨ جلسة بعنوان “مكانة القدس في الإسلام” ضمن فعاليات المجلس العلمي الهاشمي السابع والثمانين، على أن الأردن سيظل السند والظهير لفلسطين وأهلها على الدوام وستظل القدس عربية أبية.
ومما يدلل على اهتمام سموه بالقدس وتأكيد الوصاية الهاشمية عليها أنه ألغى زيارته إلى الحرم القدسي في آذار2021 ؛ حفاظا على حق المصلين بأداء العبادات بحرية ودون تضييق، في ليلة الإسراء والمعراج؛ حيث فوجئ الجانب الأردني بفرض إسرائيل ترتيبات تضيق على المقدسيين في ليلة عبادة وتعكر صفوها، يقول وزير الخارجية أيمن الصفدي: إن الأمير الحسين كان ينوي القيام بزيارة دينية إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، وتم الاتفاق مع الإسرائيليين على ترتيبات معينة، لكنهم تراجعوا لاحقا عن هذا الاتفاق من جانب واحد، ، لذلك قرر ولي العهد إلغاء الزيارة.
وهذا الموقف الرجولي الأخلاقي يؤكد كبرياء الهاشميين وسماحتهم وحبهم للناس، واحترام قدسية أماكن العبادة التي يعمل اليهود على تدميرها ليلا ونهارا .
وكانت القدس عنوان الخطاب ومركز الاهتمام والاعتزاز الهاشمي في كلمة سموه بجلسة مؤتمرالقمة العربية في دورتها الحادية والثلاثين بالجزائرفي تشرين الثاني2022، إذ قال: إن القدس مركز وحدتنا ودفاعنا المشترك عن هوية الأمة بأكملها، مشددا على أن السلام العادل والشامل القائم على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، هو خيارالمملكة الإستراتيجي، لضمان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ويشدد على أنه بموجب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، ستستمر المملكة بدورها التاريخي في حماية المقدسات ورعايتها ، بالتعاون مع الدول العربية والسلطة الوطنية الفلسطينية.
والقدس في فكر سموه ورؤيته قضية شخصية لدى الهاشميين، وخط أحمر عند كل أردني، وهي قضية الأردنيين المركزية التي تعيش في وجدانهم، وهي مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة مثلما هي مفتاح الحرب والسلام في الماضي والحاضر والمستقبل، مؤكدا أن حماية الهوية الأصيلة للقدس والمقدسات، وتحقيق السلام الشامل وحل القضية الفلسطينية هو القضية الرئيسية للأردن.
والمتابع لأعمال سموه وأقواله يقرأ فيها رسائل إلى الرأي العام العالمي تركزعلى أمانة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ممثلة بصاحب الوصاية جلالة الملك عبد الله الثاني ، الذي يستند إلى مكانة المملكة والاحترام الذي تحظى به في العالم.

وفي فكر سموه أن فلسطين جزء من عمان وعمان جزء من فلسطين والأردنيون والفلسطينيون في قلب واحد ومكون واحد ونسيج متكامل الأجزاء يكمل بعضه بعضا، والأردن لا يساوم على مبادئه وأولوياته، وعلى رأسها كرامته، لهذا، لن يتنازل الأردن – ملكا وشعبا- عن وصاية المقدسات في القدس.
ويركز سمو الأمير في لقاء مع قناة العربية في أيار2024 على التزام الأردن الثابت بدعم القضية الفلسطينية والسعي لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وأن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، سيواصل جهوده في جميع المحافل الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ويدعو ولي العهد في لقائه مع المدير العام لمنظمة (اليونسكو) في باريس
في تشرين الأول 2025 إلى العمل على تنفيذ قرارات اليونسكو التي تحث بشدة على حماية الهوية العربية الإسلامية والمسيحية الأصيلة للقدس والمقدسات، خاصة في هذا الوقت الذي يتعرض فيه الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس لانتهاكات غير مسبوقة؛ مجددا تأكيد المملكة استمراردورها التاريخي والديني في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، من منطلق الوصاية الهاشمية على هذه المقدسات.
ويعتمد سموه في عمله وتنفيذ رؤيته على دبلوماسية حكيمة وازنة ، ويبدو ذلك جليا في جولاته وزياراته حيث يركز على مكانة القدس الهاشمية، والوصاية الهاشمية وشرعيتها، التي تحيل سماء القدس، إلى عناوين المحبة والسلام والعدالة.
وفي لفتة وفاء للحسين طيب الله ثراه وللقدس حماها الله ينشر ولي العهد عبر خاصية الستوري في الانستغرام في تشرين الثاني 2025 صورة للملك الراحل الحسين بن طلال مرفقة بعبارة مأثورة من خطاباته : “وماقضية فلسطين الا جزء من نفسي وقطعة من قلبي”، دلالة على استمرار الاهتمام بقضية القدس في حياة الهاشميين.
وسموه في فكره ورؤيته لقضية القدس يواصل تنفيذ رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني التي تجسد المسيرة الهاشمية الحكيمة في التعامل مع القضايا المحلية والدولية، حيث يكرّس جلالته جهوده واتصالاته لحمل القضية الفلسطينية إلى المحافل الدولية وضمان إيجاد حلّ عادل لها، و توظيف جميع إمكانات المملكة وقدراتها لمساندة الأشقّاء الفلسطينيين في سعيهم لنيل حقوقهم المشروعة، وإقامة دولتهم، وبناء مؤسساتهم، وتثبيت صمودهم على أرضهم، وتقديم المساندة الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية لهم.
وبذلك يلتقي فكر سموه مع فكر جلالة الملك عبدالله الثاني وتوجهاته، الذي يؤكد في كل محفل بلغة إنسانية كونية، أنّ القدس خط أحمر.
وأنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالعودة إلى منطق مفاوضات السلام، وعدم المساس بالوصاية الهاشمية على الأوقاف والمقدسات المسيحية والإسلامية، وإيقاف التطرف الصهيوني بعيدا عن القدس ومكانتها الدولية.
حمى الله المملكة شعبا وقيادة وأرضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى