عربي و دولي

مشروع حذف الأصفار في إيران: خطوة محاسبية بغطاء اقتصادي في مواجهة الانهيار النقدي

آفاق نيوز – في محاولة جديدة للالتفاف على التدهور الحاد في قيمة العملة المحلية، صادقت اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الإيراني على مشروع قانون يقضي بحذف أربعة أصفار من الريال، في خطوة رمزية أكثر منها إصلاحية، وسط أزمة اقتصادية متفاقمة تعصف بالبلاد منذ سنوات، تفاقمت بفعل العقوبات الدولية والتوترات الإقليمية.

ويُبقي المشروع على اسم الريال كعملة وطنية، لكنه يحدد أن كل “ريال جديد” سيعادل 10 آلاف ريال حالي، مع إدخال وحدة نقدية فرعية جديدة تُسمى “قيران” (تُقسم إلى 100 قيران)، على غرار نظام “السنت” في الدولار الأميركي.

وقال رئيس اللجنة الاقتصادية، شمس الدين حسيني، إن الإجراء يهدف إلى “تبسيط العمليات النقدية وتقليل الأعباء المحاسبية”، غير أن محللين يرون أن هذه الخطوة تندرج في سياق المعالجات الشكلية التي تُجنّب النظام مواجهة الأسباب الجوهرية للأزمة المالية.


انهيار متواصل وثقة مفقودة

منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض العقوبات على طهران، دخل الاقتصاد الإيراني نفقًا مظلمًا، انعكس بشكل مباشر على سعر صرف الريال. ففي السوق السوداء، تخطى الدولار عتبة 925 ألف ريال، بحسب صحيفة “دنيا الاقتصاد”، وهو تدهور وصفه مراقبون بأنه فقدان فعلي لقيمة العملة المحلية.

وأمام هذا الواقع، لجأ الإيرانيون بشكل غير رسمي إلى التعامل بـ”التومان” (ما يعادل 10 ريالات) منذ سنوات، كنوع من التخفيف النفسي من التضخم، ما خلق ارتباكًا داخليًا وخارجيًا في فهم القيمة الفعلية للعملة.


خبراء: لا جدوى من تجميل الانهيار

ويرى الخبير الاقتصادي د. محمد موسى أن القرار “لا يحمل أي حل حقيقي لمشكلة التضخم أو ضعف القوة الشرائية”، معتبراً أن “إزالة الأصفار مجرّد خطوة رمزية لا تُغيّر شيئًا في مؤشرات الاقتصاد الكلي، ولا تُعالج جذور الأزمة”.

ويضيف: “العملة لا تستمد قوتها من شكلها، بل من حجم الصادرات، تدفق العملة الصعبة، وتحسين العلاقات الدولية، خصوصاً ما يتعلق بالاتفاق النووي والانفتاح على الأسواق الأوروبية والأميركية”.


تحديات التنفيذ: من الطباعة إلى الثقة

ورغم إعلان المشروع، إلا أن تنفيذه يواجه عقبات تقنية ولوجستية ضخمة، أبرزها:

  • تكاليف طباعة العملة الجديدة

  • تحديث البنى التحتية للقطاع المصرفي

  • إطلاق حملات توعوية ضخمة لفهم النظام الجديد

  • إقناع الشارع الإيراني بفائدة التغيير في ظل أزمة ثقة خانقة

كما أن القطاع المصرفي، الذي يعاني أصلاً من بنية تحتية متهالكة وعزلة دولية خانقة، سيكون أمام تحديات جمة في مواكبة التغيير على المستوى التكنولوجي والمحاسبي.


تجربة متكررة… ومصير مشكوك فيه

ليست إيران الدولة الأولى التي تحذف أصفاراً من عملتها، فقد سبقتها دول كـتركيا، وزيمبابوي، والبرازيل، لكن الفارق يكمن في أن تلك الخطوات كانت ضمن رزم إصلاح اقتصادي حقيقي.

في الحالة الإيرانية، تبقى الخطوة محاسبية رمزية، ما لم ترافقها تحولات سياسية واقتصادية عميقة. فالعقوبات، والعزلة الإقليمية، وفقدان الثقة الدولي بالنظام المالي الإيراني، عوامل تقوّض أي فرصة لتعافٍ اقتصادي فعلي.


الخلاصة: لا إصلاح نقدي بدون إصلاح سياسي

مشروع إزالة الأصفار، رغم جاذبيته الشكلية، لا يحمل سوى قيمة نفسية، ويصعب أن يُنتج استقرارًا نقديًا حقيقيًا، ما لم يُترجم إلى تغيير جوهري في السياسات الاقتصادية والخارجية، يعيد دمج إيران في المنظومة المالية العالمية.

ففي نهاية المطاف، الثقة لا تُطبع، والعملة القوية تُبنى على اقتصاد قوي، لا على حذف الأصفار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى