
الدكتورة ثروت الحلواني تكتب …
في ظل التحوّل الرقمي العالمي المتسارع، باتت التهديدات التي تواجه حقوق الإنسان لا تقتصر على الوسائل التقليدية، بل تمددت إلى الفضاء الرقمي. وأصبح الأفراد يواجهون انتهاكات جديدة تتعلق بخصوصيتهم، وأمنهم الرقمي، وحقهم في التعبير، مما يستوجب مراجعة قانونية شاملة لمجابهة هذه التحديات المستجدة.
أولاً: التحول الرقمي وحقوق الإنسان.
لم يعد الفضاء الرقمي مجرّد أداة للتواصل أو العمل، بل أصبح ساحة رئيسية يُمارَس فيها حق الوصول إلى المعلومة، وحرية التعبير، والتنظيم. لكن هذا الفضاء مكشوف أمام أدوات الرقابة والتضييق، مما يجعله مصدر تهديد حقيقي للحريات الشخصية والعامة.
ثانيًا: أبرز التهديدات الرقمية.
1. المراقبة الجماعية والتجسس:
تُستخدم تقنيات متقدمة لتتبع الأفراد والتجسس عليهم، ما يؤدي إلى تقييد حرية التعبير وتهديد الحق في الخصوصية.
2. انتهاك الخصوصية وحماية البيانات:
تُجمع البيانات الشخصية دون إذن واضح، وغالبًا ما تُباع أو تُستخدم دون علم أصحابها، مما يهدد الكرامة الإنسانية.
3. التمييز الخوارزمي:
تؤثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي على قرارات تتعلق بالتوظيف، القروض، والعدالة الجنائية، بما قد يخلق أنماطًا من التمييز الخفي.
4. التحريض والكراهية الإلكترونية:
ازدياد خطابات الكراهية والعنف على المنصات الرقمية، لا سيما ضد النساء والأقليات، دون رقابة قانونية فعالة.
5. إسكات الأصوات:
تستخدم بعض الأنظمة أدوات الحجب والتعطيل والرقابة الإلكترونية لقمع النشطاء والمعارضين.
ثالثًا: الأهمية القانونية للموضوع
• تشريعات حماية البيانات:
هناك حاجة ملحّة لتطوير قوانين وطنية تواكب المعايير الدولية، مثل اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات (GDPR).
• الرقابة على أدوات المراقبة:
يجب إخضاع أدوات المراقبة الرقمية للرقابة القضائية والبرلمانية، منعًا لسوء الاستخدام.
• التوافق مع المعاهدات الدولية:
يجب احترام التزامات الدولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن حرية التعبير والخصوصية.
رابعًا: التوصيات القانونية والحقوقية
1. سنّ قوانين لحماية الخصوصية تتوافق مع المعايير الدولية.
2. منع استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق تنتهك المساواة والكرامة.
3. تعزيز الشفافية ومحاسبة الشركات التكنولوجية الكبرى.
4. إدماج منظمات المجتمع المدني في الرقابة الرقمية.
5. توعية المواطنين قانونيًا بحقوقهم الرقمية ووسائل الحماية.
وبذلك فالفضاء الرقمي ليس فقط وسيلة، بل هو اليوم ساحة صراع حقيقية على الحقوق والحريات. إن حماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي تتطلب مزيجًا من التشريعات الحديثة، الرقابة المستقلة، والوعي المجتمعي، للحفاظ على الكرامة الإنسانية في بيئة أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.








