منبر الكلمة

الأردنيون.. حين تختصر البساطة معنى الحلم 

 

 

عدنان نصار

(إستهلال)

في الأردن تتجلى الأحلام البسيطة كقيمة اجتماعية تصون الكرامة وتمنح الأمل…

 

في الأردن، حيث تنحني الجبال لتطوّق القرى بحنان صامت، وحيث تتسلّل رائحة الخبز الساخن من بيوت متواضعة لتملأ الأزقة دفئًا، ما زالت الأحلام تنبض ببساطتها، كما لو أنها جزء من هوية المكان. هنا لا تُقاس الأحلام بالزينة والمال، بل بقدر ما تترك في الروح من سكينة، وما تمنحه للقلب من طمأنينة. تلك الطمأنينة التي كانت أمهاتنا تدعن لنا بها كل إشراقة يوم جديد، كانت هي الحلم الأول، والبيت الأول، والمأوى الأول لكل قلب صغير.

 

الأردني يحلم ببيت صغير يفتح نوافذه على شروق الشمس، بظل شجرة زيتون يستريح عند جذعها، بفنجان قهوة يتقاسمه مع جار قديم، وبضحكة طفل تعبر الدرب فتضيء اليوم بأكمله. هي أحلام تشبه رغيف الخبز: بسيطة في ظاهرها، عظيمة في أثرها.

 

في هذا البلد الذي يختزن في ترابه ذاكرة العصور ، من إربد وريفها وتضاريسها ، إلى وادي رم المتكيء على ضفاف القمر ، لا يحلم الناس بترف يُرهقهم، بل بكرامة تحفظ وجوههم مرفوعة. الأم التي تنتظر عودة ابنها من الغربة، والأب الذي يعلّق شهادة ابنه على جدار غرفة ضيقة، والعائلة التي تلتف حول مائدة عامرة بالرضا قبل أن تكون عامرة بالطعام…كلها صور لأحلام تشبه المطر: صافيًا، ضروريًا، وواهبًا للحياة.

 

أجمل ما في هذه الأحلام أنها لا تنفصل عن الوطن. فحين يحلم الفلاح بموسم خير، فهو يحلم في الوقت ذاته بعافية أرضه. وحين تتمنى الطفلة حقيبة مدرسية جديدة ، فهي تتمنى علمًا يرفعها ويرفع وطنها معًا. هنا، يذوب الخاص في العام، وتذوب الذات في فكرة أوسع: أن يظل الأردن صامدًا كجبل لا يعرف الانحناء.

 

إنها أحلام صغيرة في ظاهرها، لكنها أكبر من كل التحديات.. هي التي جعلت هذا البلد الصغير بمساحته كبيرًا بقلوبه، قادرًا أن يمضي في وجه الريح، وأن يصنع من القلة وفرة، ومن الشظف جمالًا.

 

في زمن يركض فيه العالم خلف بريق زائل، يظل الأردني محتفظًا بحلمه البسيط، لأنه يدرك أن السعادة لا تُشترى، بل تُولد من قناعة، وأن العظمة لا تُبنى على المظاهر، بل على الصمود، على المحبة، وعلى يقين عميق بأن البساطة أرقى أشكال الغنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى