
في الأيام الماضية، أثارت تصريحات رئيس الوزراء الأسبق عبدالله النسور جدلًا واسعًا بعد حديثه في بودكاست المنعطف، حين كشف أن مدير المخابرات الأسبق منعه عام 2007 من الترشّح للانتخابات النيابية وقال له بوضوح: «بنرسبك». لم تمضِ ساعات حتى جاء الرد من العين والوزير الأسبق د. بسام العموش، الذي استحضر بدوره واقعة تعود لعام 1997 حين كان النسور نائبًا لرئيس الوزراء، مؤكدًا أنه قال له: «المصاري والنتائج علينا… لا تخاف»، في محاولة لإقناعه بخوض الانتخابات رغم موقف جماعة الإخوان المسلمين بالمقاطعة.
شهادات تهزّ الثقة
هذه ليست “نوادر سياسية” ولا قصص شخصية على فنجان قهوة. نحن أمام شهادتين صادرتين عن رجال دولة شغلوا مواقع سيادية. فإذا كانت صحيحة، فهي تعني أن إرادة الناخب كانت عُرضة للتلاعب والتدخل. وإذا كانت مجرد “روايات انتقائية”، فهي اتهامات خطيرة بلا دليل تُطلق في الهواء وتضرب ما تبقى من الثقة بالعملية السياسية.
والسؤال المطروح الان هل هذا فضح أم كشف تاريخي؟
البعض اعتبر ما قاله النسور والعموش “فضحًا لأسرار دولة”. لكن السؤال: هل هي أسرار حقًا؟ أم حقائق يعرفها الأردنيون منذ عقود ويتهامسون بها؟ الفرق أن هذه المرة جاءت على لسان أصحاب القرار أنفسهم. ومع ذلك، إفشاء تفاصيل عن أجهزة أمنية أو ضمان نتائج انتخابات ليس تفصيلًا عابرًا، بل يدخل في باب المساءلة الأخلاقية والسياسية، وربما القانونية إذا اعتُبر مساسًا بسمعة مؤسسات الدولة أو كشفًا لمعلومات مصنّفة.
والسؤال الثاني الواجب طرحه على من ستكون المحاسبة ؟
فإذا صدقت رواية النسور، فهذا يعني أن جهازًا رسميًا تدخّل في الانتخابات ويجب أن يكون هناك تحقيق يوضح الحقائق.
وإذا صدقت رواية العموش، فهذا يعني أن نائبًا لرئيس الوزراء تجرّأ على “ضمان النتائج” ودفع المال، وهو أمر لا يقل خطورة.
أمّا إذا كانت الحكايات “مناكفات سياسية متأخرة”، فالمحاسبة هنا يجب أن تكون أمام الرأي العام الذي يملك الحق في فرز من يتلاعب بالذاكرة ومن يكتب للتاريخ.
المنتفعون… ثم الناقدون
ما يزيد الطين بلّة أن كلا الرجلين مرّا عبر مناصب عليا: وزراء، نواب، سفراء، ورؤساء حكومات. استفادوا من الدولة ونظامها، ثم يخرجون اليوم ليكشفوا “أسرارها” وكأنهم لم يكونوا جزءًا منها. هذا يضعف أي ادعاء بالمصداقية ويجعل الناس تقول: لماذا صمتم حين كنتم في الكرسي؟
أما الكلمة الأخيرة الان فهي أن
الأردن لا يحتاج إلى “كليبات اعتراف” متأخرة تُرمى في الفضاء الإلكتروني. نحتاج إلى رواية موثّقة، وإلى تحقيق مستقل يضع النقاط على الحروف. فإمّا أن تُثبت هذه الشهادات ويُفتح الملف، أو يُعتبر أصحابها مسؤولين عن إطلاق اتهامات بلا بيّنة.
حتى ذلك الحين، سيبقى الشارع يردّد سؤاله البسيط: من الذي كان يدير صندوق الاقتراع حقًا؟
كتب د.خلدون نصير
الناشر والمدير العام








