
حسن نافعة
تصاعدت حركة الاحتجاج الجماهيري داخل الكيان الصهيوني في الآونة الأخيرة. ورغم أنها تعتبر نتنياهو مسؤولاً عن عدم التوصل إلى اتفاق مع حماس يؤدي إلى الإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، وتتهمه شخصياً بالحرص على البقاء في السلطة أكثر من حرصه على حياة وسلامة الرهائن، إلا أنها ليست قادرة على إطاحته.
وبالتوازي مع ضعف الحراك الجماهيري، تبدو المعارضة الرسمية ضعيفة أيضاً وغير قادرة على حشد أغلبية برلمانية تكفي لسحب الثقة من الحكومة الحالية المتماسكة حتى الآن، وبالتالي، غير قابلة للسقوط لا من خلال الشارع ولا من خلال الكنيست، ما يفسّر عناد نتنياهو وقدرته على التلاعب بالجميع.
للخروج من هذا المأزق، تظهر بين الحين والآخر رموز سياسية معارضة، تبادر بتقديم مقترحات تستهدف إقناع نتنياهو بالتخلص من الجناح الأكثر تطرفاً وتأليف حكومة جديدة خالية من العناصر المعارضة لإبرام اتفاق مع حماس، وتلتزم بتوفير “شبكة أمان” تضمن له الاستمرار في السلطة كرئيس لهذه الحكومة، إلى أن يتم الاتفاق على موعد ملائم لإجراء انتخابات جديدة، سواء كانت مبكرة أو في موعدها الطبيعي. ويعتبر بني غانتس، وزير الدفاع السابق، آخر هذه الرموز. فقد تقدم منذ عدة أيام بمقترحات لتأليف حكومة لا يشارك فيها اليمين الديني المتطرف، تتولى إدارة شؤون البلاد مدة ستة أشهر، على أن تكون مهمتها الأساسية، وربما الوحيدة، هي التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه سبق لبني غانتس أن شارك في الحكومة التي يطالب الآن بتغييرها. ولتبرير هذه الخطوة، ادعى أن مشاركته آنذاك ينبغي ألّا يُنظر إليها باعتبارها “شراكة سياسية”، وإنما كانت واجباً يمليه “الحرص على المصير المشترك” بعد ما جرى في 7/10/2023.
صحيح أنه انسحب من هذه الحكومة في حزيران/يونيو عام 2024، معلّلاً ذلك بعد وجود “رؤية استراتيجية لمرحلة ما بعد الحرب”، وبأن تصرفات الحكومة لا تتيح “التقدم على طريق تحقيق نصر حقيقي”. وبصرف النظرعن حقيقة الدوافع المحرّكة لهذا النوع من المواقف السياسية، إلا أن الاقتراح الذي تقدم به غانتس مؤخراً، والذي يقضي بتأليف حكومة لا يشارك فيها اليمين الديني المتطرف، لن يفلح بالضرورة في إنهاء الأزمة الراهنة، حتى لو تمكنت الحكومة الجديدة من التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى استعادة الرهائن.
لنفترض جدلاً بأن لابيد وليبرمان سيستجيبان لدعوته، وبالتالي سيقبلان الدخول في تشكيل حكومي جديد، يخلو من بن غفير وسموتريتش، وأن هذا التشكيل سينجح فعلاً في التوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف مؤقت لإطلاق النار مدة ستين يوماً، وبالتالي في استعادة نصف الرهائن الأحياء والأموات، وأن المفاوضات المتعلقة بالوقف الدائم لإطلاق النار ستبدأ فور دخول الاتفاق المؤقت حيز التنفيذ.
هنا ستظهر عقبتان رئيسيتان ينبغي التغلب عليهما معاً، نزع سلاح حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، وهو أمر يستحيل قبوله إلا بعد التوصل إلى خطة مضمونة دولياً لتسوية القضية الفلسطينية، أي بعد إزالة العقبة التي يستحيل التغلب عليها إلا عبر أحد بديلين لا ثالث لهما: قيام دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967عاصمتها القدس الشرقية، مع عودة اللاجئيين إلى ديارهم والتعويض عن ممتلكاتهم، أو دمج الفلسطينيين واليهود في دولة موحدة ثنائية القومية، يتعايشون فيها معاً ويتمتعون فيها بحقوق متساوية في المجالات كافة. ولأنه يستحيل على أي حكومة صهيونية قبول أي من هذين البديلين، فسوف يكون التعويل على قدرة الحكومة التي يقترح بني غانتس تأليفها على إيجاد مخرج من المأزق الراهن بمنزلة جري وراء سراب.
تصر حكومة نتنياهو الحالية على استسلام جميع الفصائل الفلسطينية المسلحة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق، من وجهة نظرها، إلا بتجريد جميع هذه الفصائل من أسلحتها ونفي قادتها إلى خارج القطاع.
فإذا افترضنا جدلاً بأن استبعاد العناصر المتطرفين من هذه الحكومة سيدفع الحكومة الجديدة لتبني مواقف أكثر مرونة، والموافقة بالتالي على انسحاب القوات الإسرائيلية وتسليم مهمة حفظ الأمن في قطاع غزة لقوات دولية وعربية مشتركة، وأيضاً على إسناد إدارة القطاع إلى لجنة من التكنوقراط الذين لا ينتمون إلى أي من الفصائل السياسية الفلسطينية، لكن ماذا عن نزع سلاح الفصائل الذي يحظى بتأييد الأغلبية، إن لم يكن بالإجماع، بين جمهور الكيان؟.








