أقلام و آراء

يا وجعي .. على سوريا

 

عوض ضيف الله الملاحمة

لا خلاف على ان سوريا الحبيبة مُستهدفة . ولا جدال على تعدد الإستهدافات وتنوعها . ولا يُلام كل الذين يستهدفون سوريا . بسبب كثرة الإغراءات والمنافع الموجودة في سوريا . فمن الثراء التاريخي ، والديني ، والبيئي ، الى النفط ، والمعادن ، والزراعة ، والموقع الاستراتيجي ، والوفرة في المياة .. وغيرها .

لا يهمني ذهاب النظام السابق . كما لا يهمني النظام الحالي . تهمني ان تكون سوريا الحبيبة بالف خير ، وتسلم من التقسيم ، وتسلم من الاستهدافات ، وتخرج من محنتها موحدة وبأقل الأضرار .

تتصارع وتتسابق وتتناحر عدة دول على الفوز بسوريا . أعداء سوريا كُثر ، فمن امريكا ، الى روسيا ، والعدو الصهيوني ، وفرنسا ، وتركيا ، وايران ، إضافة الى عشرات التنظيمات الاسلامية الإرهابية الدموية التي ارتدت ثوب الإسلام العظيم وهو منها براء .

لا أحد ينكر ان سوريا كانت في عهد النظام السابق مستقرة ، آمنة ، مكتفية ذاتياً ، كلفة المعيشة فيها منخفضة جداً ، واغلب الناس يعيشون حياة السِتر والاكتفاء . وإستمر ذلك حتى عام ٢٠١٢ ، عندما أطَلّ ما سُمى بالربيع العربي برأسه على سوريا . ومع كل الأسف لم يُحسن النظام السابق التعامل مع تلك الحالة . ولم يُدرك حجم الإستهداف . حيث لجأ للعنف المفرط الدموي الشنيع البشع .

أدت حديّة النظام السابق في تعامله القاسي ، الى إنفجار الأوضاع في عموم سوريا . حيث كان يعتقد مخطئاً انه سيقضي على ما اعتقد انه تمرداً محدوداً وسوف يجهضه في مهده ، فتحول الى ثورة شعبية عمت البلاد . وتدخلت اطرافاً عديدة ، تعد بعشرات التنظيمات ، أغلبها مدعوم من أنظمة عربية ، مع كل الأسف . حتى وصل الأمر الى ان فقد النظام السابق سيطرته على ( ٧٥٪؜ ) من سوريا ، وفعلياً لم يتبقَ تحت سيطرته الا دمشق ومن حولها . فاستعان النظام السابق بايران ، وأحد أقوى أذرعها المتمثل في حزب الله . فاستباحوا سورياً ، وزادوا جرعة العنف والقتل لدرجة لا يمكن تخيلها . ومع ذلك لم يُحدث ذلك تغييراً ملحوظاً على الساحة ، الى ان طلب النظام السابق من روسيا التدخل فأحدث تدخل روسيا فارقاً كبيراً ملحوظاً على الأرض . لدرجة ان النظام إستعاد سيطرته على غالبية سوريا باستثناء الشمال وبعض مناطق الجنوب .

وسنحت فرصة ثانية للنظام السابق ليصوب الاوضاع ، ويُحدث تغييراً جوهرياً على الدستور ويدعو لإنتخابات رئاسية وبرلمانية . الا انه وعد وأخلف ، ولم يحدث اي تغيير . الى ان حدث ما حدث مؤخراً ، وسقط النظام ، وهرب الرئيس بجُبنٍ مُعيب ، وغادر منفرداً دون ان يُخبر أقرب الناس اليه ، فأعطى وطنه ظهره ، وولى مذموماً ، مدحوراً ، مذعوراً ، دون ان يرتب الأمور قبل مغادرته للحفاظ على سوريا الدولة .

جاء النظام الحالي ، وربما نخمِّن من أتى به ومن دعمه . وأعلن انه سيعمل على تجنيب سوريا ما حدث للعراق بإنهيار مؤسسات الدولة . كما أعلن انه سيعمل على إستقرار سوريا . لكن على ارض الواقع يبدو انه لم يعمل كما يجب . كما لم يتأكد لنا هل النظام الحالي حريص على المحافظة على وحدة تراب سوريا . والأدلة كثيرة ، نذكر منها : ان النظام الحالي لم يبدِ ردة فعلٍ لدخول العدو الصهيوني الاراضي السورية واقتطاع أجزاء منها ، والتمركز فيها . وانه لم يرد على التململ الكردي في الشمال وتلميحهم بالإنشقاق عن سوريا الأم ، وكذلك مناطق العلويين في منطقة الساحل السوري ، وايضاً الدروز الذين عبرت فئة منهم عن رغبتهم في الإنضمام للكيان .

لست مع حالة الاسترخاء التي يعيشها النظام الحالي في سوريا . فيفترض ان يأخذ اجراءات ترتقي لمستوى تمدد العدو الصهيوني . كما يفترض ان يكون متنبهاً من خطر وجود فلول النظام السابق . فذلك النظام حكم سوريا بالحديد والنار لنصف قرن ، ولن يكف عن محاولة استعادت مجده ، او على الأقل إقلاق راحة النظام الحالي . وعليه ان يعي ويتنبه الى خطر استمرار التهديد الايراني الذي يعتبر نفسه أكبر الخاسرين في سوريا ولبنان ، ولن يستسلم بسهولة وسيستمر في محاولاته حتى لو كانت يائسة .

أكبر الخاسرين مما حدث في سوريا هي ايران . فقد تقزم تصدير الثورة الذي هو أحد أهم أهداف ثورة الخميني التي انتصرت عام ١٩٧٩ . كما انهى فكرة الهلال الشيعي التي اشتغلت عليه لعقود من الزمن وصرفت المليارات لتحقيقه ، تلاشى بسرعة البرق . وحزب الله الطفل المدلل المطيع الذي ينفذ السياسات الإيرانية بكل حرفيه قد أُنهك . وآخر الضربات القاسية التي تلقتها ايران يتمثل في خسارتها سوريا . التي دخلتها وعملت بجد وجهد كبيرين على تغيير الديمغرافيا بما يتناسب وسياسة البقاء الأبدي في سوريا . ولا ننسى الإستهداف التركي الكبير لسوريا . فتركيا تطمع باقتطاع الشمال السوري وضمه اليها مثلما قضمت لواء الاسكندرونة عام ١٩٣٨ . كما ان تركيا تستهدف سوريا كسوق لمنتجاتها ،بالإضافة للتبعية السياسية .

أشعر ان الرئيس السوري الحالي مجهول التوجه . مشكوك في كثير من علاقاته ، وارتباطاته ، وربما وعوده ، وأخالها كلها على حساب سوريا ووحدتها واستقلالها . واتمنى ان أكون مُخطئاً تماماً بكل ما ذهبت اليه . لينتهي نحيب سوريا الذي نزفت فيه دماً بعد ان جفت دموعها لما يقارب ( ١٤ ) عاماً ، وكان ذلك حملاً ثقيلاً على كاهل سوريا الرقيقة الدافئة حسناء العرب .

اما من قيل انهم اثاروا الفوضى وحاولوا اسقاط النظام الحالي فلا نعلم من هم ، هل هم من فلول النظام السابق ؟ ام من بقايا الميليشيات الايرانية واتباعهم ؟ ام ممن فُصِلوا من وظائفهم تجنياً من العلويين ؟ ام تصفيات بين التنظيمات الاسلامية التي كانت تعد بالعشرات ؟

ارى ان سوريا الحبيبة في محنة كبرى . متضرعاً للعلي القدير ان يُخرجها منها سالمة ، موحدة ، عروبية . داعياً النظام الحالي الخروج عن صمته المُشين تجاه العدو الصهيوني والعمل على اخراجه من الاراضي التي احتلها قبل ان يتمركز فيها ، ويعلن ضمها للجولان التي صادرها .

حفظ الله دمشق الحبيبة إحدى حواضر العرب ، وصانعة التاريخ العربي المجيد مع شقيقتيها القاهرة وبغداد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى