أقلام و آراء

الزراعة في الأردن

الزراعة في الأردن: التحديات والسياسات الداعمة للاقتصاد
لطالما كانت الزراعة حجر الأساس في الاقتصادات المحلية والوطنية، حيث تلعب دورًا محوريًا في تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل، وتعزيز التجارة الداخلية والخارجية.
ومع التحديات الاقتصادية العالمية، أصبح الاستثمار في القطاع الزراعي ضرورة استراتيجية لتعزيز الناتج المحلي ودعم التنمية المستدامة.
فالزراعة ليست مجرد مصدر للغذاء، بل هي عامل أساسي في استقرار الاقتصاد الوطني، إذ تقلل من الاعتماد على الاستيراد، وتعزز الاكتفاء الذاتي، مما يحمي السوق المحلي من التقلبات العالمية، ويقلل من خروج العملة الصعبة، بل ويزيد مخزونها داخل الدولة كلما ازدادت الصادرات.
إلى جانب ذلك، يُعدّ القطاع الزراعي أحد المغذيات الرئيسة للصناعات الغذائية، حيث يوفر المواد الخام اللازمة لصناعات الألبان، والمعلبات، والزيوت، ما يسهم في رفع القيمة المضافة وزيادة الصادرات.
كما يدعم قطاع الخدمات اللوجستية، حيث تحتاج المنتجات الزراعية إلى شبكات توزيع ونقل وتخزين متطورة، مما يخلق فرص عمل جديدة في مجالات النقل والتجارة، ويوسع من قاعدة الاقتصاد المحلي.

ورغم هذه الأهمية الاستراتيجية، يواجه القطاع الزراعي في الأردن تحديات كبيرة تحدّ من تطوره وقدرته على تحقيق النمو المستدام، حيث تأتي ندرة المياه والتغيرات المناخية في مقدمة هذه التحديات، إذ يؤدي شح الموارد المائية إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، مما يضع المزارعين أمام ضغوط اقتصادية متزايدة.
إلى جانب ذلك، يعاني القطاع من ضعف البنية التحتية الريفية وغياب التكنولوجيا الزراعية الحديثة، مما يعيق عملية الإنتاج ويقلل من كفاءة استخدام الموارد.
كما أن صعوبة الحصول على التمويل وغياب الدعم الحكومي الكافي يجعلان الاستثمار في الزراعة محفوفًا بالمخاطر، خاصة مع ارتفاع تكاليف الإنتاج من أسمدة وبذور ومبيدات حشرية، فضلًا عن ارتفاع أسعار الطاقة والنقل.

أما التحدي الأكبر الذي يواجه المزارعين في الأردن يتمثل في سياسات الاستيراد غير المدروسة، حيث يؤدي فتح الأسواق أمام المنتجات الأجنبية أثناء فترات الإنتاج المحلي إلى إغراق السوق وزيادة العرض على حساب الطلب، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل حاد، ويُلحق خسائر فادحة بالمزارعين.
إضافة إلى ذلك، يلعب الوسيط التجاري (السماسرة) دورًا سلبيًا، إذ يفرضون أسعارًا منخفضة على المزارعين، بينما تباع المنتجات بأسعار مرتفعة للمستهلك النهائي، مما يقلل من هامش الربح ويزيد من الأعباء الاقتصادية على المنتجين.
إن مواجهة هذه التحديات تتطلب إرادة حكومية جادة وإجراءات ملموسة، في مقدمة الحلول تأتي سياسات الاستيراد، فهي بحاجة إلى تطبيق فعلي وحقيقي بما يضمن حماية الإنتاج المحلي خلال مواسم الحصاد، بالإضافة إلى الاستثمار في تقنيات الري الحديثة لتعزيز كفاءة استخدام المياه، وهو ما يستدعي تقديم حوافز حكومية مثل الإعفاءات الضريبية والتمويل الميسر لشراء المعدات المتطورة، إلى جانب ذلك يأتي تعزيز الأسواق المحلية وسلاسل الإمداد والتصدير لضمان وصول المنتجات الأردنية إلى أسواق جديدة، مما يسهم في تحسين دخل المزارعين.
ولا يمكن إغفال أهمية البحث الزراعي والتطوير في تقديم حلول مبتكرة لزيادة الإنتاجية، مثل تعزيز الزراعة الذكية التي تعتمد على التكنولوجيا في تحسين جودة المحاصيل وتقليل استهلاك الموارد، فتوفير بيئة داعمة للمزارعين من خلال تسهيلات ائتمانية وإعفاءات ضريبية، إلى جانب تحسين البنية التحتية وتطوير أساليب التسويق، سيجعل الزراعة قطاعًا أكثر استدامة وإنتاجية.

وفي ظل توجيهات جلالة الملك المستمرة لدعم القطاعات المنتجة، فإن النهوض بالزراعة ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة اقتصادية واجتماعية تتطلب سياسات عملية ودعمًا حكوميًا حقيقيًا، يضمن حماية الإنتاج المحلي، وتوفير التمويل الميسر، والاستثمار في التكنولوجيا الزراعية، بما يجعل هذا القطاع ركيزة قوية للنمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي في الأردن.

النائب الدكتور شاهر شطناوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى