
عوض ضيف الله الملاحمة
كل عام ، وخاصة في فصل الشتاء ، نتعرض الى إرباكات ، وتشويش في المعلومات المتعلقة بالحالة الجوية التي تصدرها الجهات المتخصصة في رصد حالة الطقس ، وهي جهات تعد بالعشرات ان لم تكن بالمئات .
بداية التسمية الصحيحة للمتخصصين بمتابعة الطقس هي ( الراصد الجوي ) وليس ( المتنبئ الجوي ) . لان طبيعة عملهم لا تتضمن التنبؤ ، بل ينحصر في حسابات ومعطيات رياضية علمية . كما ان كلمة تنبؤ مرتبطة بالنبوءة والنبوة . بينما تسمية راصد جوي هي الصحيحة تماماً ، لان طبيعة عملهم رصد الخرائط الجوية المتعلقة بمتابعة كافة العوامل المتعلقة بالطقس . وأصحّ تسمية هي باللغة الإنجليزية ( weatherman ) أي رجل الطقس .
نعاني في الأردن معاناة شديدة من كثرة الراصدين الجويين . وهذه المعاناة عامة تشمل الجهات الرسمية ، كما الشعبية ، وحتى على مستوى الأفراد . والمشكلة انها بدل ان تكون نعمة ، أصبحت نقمة . لأنهم بدأوا يتسابقون على اعلان الحالة الجوية بشكل مبكر جداً وقبل أوانها كثيراً ، خاصة اذا كانت الحالة الجوية تحتمل سقوط امطار غزيرة او ثلوج ، حيث يعلنونها وكأنها بشارة ، لكن الهدف هو تحقيق سبق إعلامي . فيقرأون الخرائط والمعطيات الفنية المبدأية ويستنتجون إستنتاجات سريعة ومبكرة جداً ، مما يوقعهم في خطأ فني ومهني .
يترتب على هذا التسرع في الاعلان عن الحالة الجوية إرتباك حياتي رسمي وشعبي على مستوى الوطن . فبناءاً على التحذيرات توعز وزارة الإدارة المحلية للبلديات للإستعداد وأخذ كافة الاحتياطات ، وتجهيز كافة المعدات ، وإستنفار الكوادر المختصة ، واعلان حالة الطواريء بدرجات متفاوته ، حسب لهجة الراصد الجوي ، حيث تحدد البلديات حالة إستنفار واستعداد بدرجات مختلفة . ويسهر العاملون في تلك الجهات في مكاتبهم بدل ان يكونوا مع عائلاتهم . كما تتهيأ الوزارات المختصة وتستعد لإنعكاسات المنخفضات الجوية مثل وزارة الداخلية ، ووزارة الاشغال العامة ، وكذلك يستنفر الأمن العام كوادره فينشر الدوريات على الطرقات ، ويتأهب الدفاع المدني للإنقاذ والمساعدة ، وتُستنفر المستشفيات لحالات الطواريء . وتضطر كل الجهات الرسمية لتجهيز آلاف الآليات والمعدات لحالة الطواريء التي في أحايين كثيرة لا تقع .
وهذا يعني كُلف مالية غير ضرورية ، يمكن تجنبها فيما لو تأنى الراصد الجوي الى ان تقترب الموجة اكثر ، وتقل الإنحرافات والمتغيرات في الموجات الهوائية المرصودة . كما يتم على المستوى الرسمي ومستوى الأعمال تأجيل اجتماعات ولقاءات هامة للقطاعات المنتجة المختلفة في الوطن . كما يستعد القطاع الزراعي لمواجهة الحالة الجوية الطارئة ، للمحافظة على النباتات من درجات البرودة الشديدة . ويستعد اصحاب المواشي ، ومزارع الدواجن للتدفئة ، كما يرحل البدو ببيوت الشعر عن مجاري الأودية ، لتجنب السيول الجارفة .
أما الارتباك الذي ينعكس على حياة عامة الناس فيصعب رصده وتحديده لأن لكل فرد ، ولكل عائلة ، ولكل منطقة ، ولكل محافظة خصوصيتها في إستعدادتها . فتجد الأمهات يُلبسن أطفالهن أثقل الملابس ، والتركيز يكون على الملابس التي تقي من تسرب المطر على أجسام الأطفال . كما تشرع العائلات في تجهيز الكاز ، والغاز ، والمؤونة الضرورية ، ولا يغيب عنها التسالي ، والبطاطا الحلوة ، والكستنا ، وبعض الأباء يشترون ( شوال ) خبز — ويكون مصيره الحاويات مع الأسف — فتزدحم محلات بيع الغاز ، وتتسابق الناس على محطات الوقود لتعبئة الكاز ، وتختنق المخابز ، ومحلات المكسرات ، والحلويات وغيرها . كما تتغير مواعيد وارتباطات الناس العائلية والإجتماعية ، فهذه عزومة تأجلت ، وعليه يتوجب تفكيك الصيوان ، وهذه مناسبة عيد ميلاد لأحد الاطفال كان والداه يودان الاحتفال بعيد ميلاده في القرية مع الجد والجدة . وهذا شاب وعد والديه بالقدوم يوم الخميس ليقضي العطلة معهما ، وغيرها من الإرباكات العائلية .
في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي ، عندما كنت أعمل في أبوظبي الحبيبة ، كانت الجمعية الأردنية تقيم إحتفالات في كافة المناسبات الوطنية الأردنية والإماراتية ، بالإضافة الى حفلات فنية شهرية ، وكان عضو مجلس الإدارة المهندس المبدع ، النشيط ، الديناميكي ، النشمي ، كبير مهندسي شركة كهرباء ابوظبي المهندس / يوسف محمد الزعبي ، كان يتصل بالسفارة الألمانية في ابوظبي قبل حوالي شهر من الحفل ، الذي يقام في الهواء الطلق ، ليتأكد منهم عن حالة الطقس ، وكانت توقعاتهم دقيقة الى حدٍّ كبير .
شعراء اللغة الانجليزية كتبوا مئات ان لم تكن الاف القصائد الشعرية عن رجل الطقس ( الراصد الجوي ) ، وللدعابة سوف أقتبس فقرة من قصيدة طويلة :—
Poet Name : Rad Tad :—
( The Weatherman)
Poor weatherman
Always wrong
No matter what
It’s almost as if the atmosphere is his opposition
He will never be right
…………..etc.
يقول الشاعر / راد تاد في قصيدة طويلة :— ان رجل الطقس ( الراصد الجوي ) المسكين دوماً على خطأ ، ولا يمكن ان يكون على صواب ، وكأن الطقس يخالفه دوماً .
لا شك ان جهود الراصد الجوي مقدرة ، ومثمنة ، وهي جهود هامة ، بل هامة جداً . لكن كل ما نطلبه منهم التروي ، والتريث ، والتأني حتى تقترب الموجة ، وتكون البيانات أقرب للدقة ، والصحة ، ومحدودة التغير ، وان يَعدِلوا عن التسابق في الإعلان عن المنخفضات الجوية الكبيرة على الأقل ، وذلك لتجويد المعلومة وترسيخ المصداقية .