نصير يكتب :- فاتورة المياه في الأردن: كيف تحولت خدمة أساسية إلى عبء شهري على المواطن؟ مسلسل آخر ضحيته المواطن

د. خلدون نصير / المدير المسؤول

في بلد يعاني من شحّ الموارد المائية وضيق الحال الاقتصادي، كان المواطن الأردني يعتمد على دورية فاتورة المياه كمتنفس بسيط يتيح له التخطيط لمصاريفه.

كانت فاتورة المياه تصدر كل ثلاثة أشهر، بقيمة معقولة لا تتجاوز العشرين دينارًا في أغلب الحالات، لكن، فجأة ودون تبرير مقنع، قررت شركة “مياهنا” تعديل نظام الفوترة ليصبح شهريًا، ومعه تضاعفت القيمة وكأنها جاءت لتعصف بما تبقى من ميزانية المواطن المثقل أصلًا بالضرائب والالتزامات.

اليوم، فاتورة المياه الشهرية لم تعد تقل عن العشرين دينارًا، ما يعني أن المواطن يدفع ثلاثة أضعاف ما كان يدفعه سابقًا. السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي تغير؟ هل تضاعفت كميات المياه التي يستهلكها المواطن؟ أم أن الشركة وجدت في جيوب الأردنيين فرصة للاستنزاف؟ يبدو أن الجواب واضح، فالكميات لم تتغير، لكن النظام الجديد خلق تضخّمًا مفتعلًا لا مبرر له، وكأن الشركة قررت أن تكون يدها في جيب كل مواطن، تمتص آخر ما تبقى فيه.

التفسير الذي قدّمته الشركة لهذا النظام الجديد مليء بالثغرات، فهي تتذرع بأن النظام الشهري يهدف إلى “تحسين الخدمة”. أي تحسين تتحدث عنه الشركة؟ المياه هي ذاتها، تعاني في كثير من الأحيان من انقطاعات طويلة وانخفاض في الضغط، والخدمة المقدمة لا تبرر أبدًا هذا الارتفاع الجنوني في التكلفة.

بل الأسوأ من ذلك، أن طريقة احتساب الفواتير الجديدة تثير التساؤلات حول عدالة النظام. هل يتم احتساب الشرائح بشكل عادل؟ أم أن النظام مصمم ليدفع المواطن أكثر مع كل متر مكعب يستهلكه؟ وفي ظل غياب الشفافية والوضوح من قبل الشركة، تبقى الإجابة مجهولة.

ما يحدث اليوم هو استباحة صريحة لحقوق المواطن، واعتداء على قدرته على توفير أساسيات الحياة. من حق الأردني أن يتساءل: أين الجهات الرقابية؟ وكيف تسمح الحكومة لشركة مياهنا بأن تتحكم بمصدر أساسي للحياة بهذه الطريقة الجائرة؟

الأردنيون بحاجة إلى إجابات واضحة، وإجراءات تضمن العدالة في تسعير فاتورة المياه. المياه ليست سلعة كمالية، بل هي حق أساسي يجب أن يكون متاحًا للجميع بسعر معقول. استمرار هذا النظام غير العادل لا يعني سوى المزيد من الغضب الشعبي، وربما يقود إلى تساؤلات أكبر حول عدالة توزيع الموارد وإدارة الشركات الخدمية.

إذا كانت شركة مياهنا تسعى لزيادة أرباحها، فلا يجب أن يكون ذلك على حساب المواطن. الحلول موجودة، من تحسين إدارة الموارد وتقليل الهدر إلى محاسبة الفساد في القطاع، لكن للأسف، يبدو أن المواطن الأردني هو دائمًا الحلقة الأضعف في معادلة القرارات الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى