جعفر حسان .. هل سَيُحسِن .. إدارة الوطن

 

عوض ضيف الله الملاحمة

منذ زمن الرمز الوطني الأبدي السرمدي الشهيد /وصفي التل ، لم يحظَ وطني الحبيب برئيس وزراء نجيب ، وطني ، كفؤ ، نزيه ، منتمٍ ، كلهم يتفاوتون في درجة سوء إدارتهم للوطن .

وهنا سوف أذكر بضعة أمثلة لتؤكد استنتاجي الذي ذكرته أعلاه ، مثلاً :—
أولاً :- منذ السبعينات والكل يعرف ان الأردن من أفقر دول العالم مائياً . ومع ذلك لم تعمل الحكومات المتعاقبة أي إجراء جدّي لحل تلك المشكلة بما يتناسب مع نسبة الخصوبة التي كانت ( ٤,١٪؜ ) عام ١٩٧٠ . كما لم تأخذ تلك الحكومات بالحسبان إحتساب الزيادات السكانية العالية الناتجة عن الهجرات الكبيرة التي احدثت انفجارات سكانية هائلة . لم يأخذوا ذلك باعتبارهم عند التخطيط لتطوير الخدمات بما يتناسب مع الزيادتين السكانيتين المشار اليهما اعلاه . والدليل على هذه الانفجارات السكانية ان عدد سكان الاردن عام ١٩٧٠ كان ( ١,٧٢١,٣٢٣ ) نسمة ، بينما وصل عدد سكان الأردن الآن الى ( ١١,٥٠٠,٠٠٠ ) نسمة . ومع ذلك لم تأخذ الحكومات المتعاقبة منذ حوالي ( ٥٠ ) عاماً العجز المتنامي في المياة في الحسبان ، ولم تفكر تلك الحكومات بحلول جذرية لموضوع العجز المائي . يُضاف الى ذلك التفريط الكبير في حصتنا من المياة في إتفاقية وادي عربة المشؤومة . مما اضطرنا لإستجداء العدو لشراء كميات سنوية من المياة باسعار خيالية ويتكرم علينا العدو بضخ مياة ملوثة بنفايات المصانع من المواد الكيماوية ، والمجاري ، لتتم تحليتها في محطة زي .

ثانياً :— منذ السبعينات لم تراعِ الحكومات السابقة الإكتظاظ في الصفوف المدرسية . حيث يصل معدل عدد الطلاب في الصف الواحد الى ( ٥٠ ) طالباً ويزيد ، مما أنهك المُعلم ، وخفّض تحصيل الطلاب . كما لجأوا لحل كارثي يتمثل في دوام المدارس لفترتين ، وخفض مدة الحصة الصفية الى ( ٣٠ ) دقيقة ، مما أدى لتدهور المنظومة التعليمية كلها .

ثالثاً :— تدهور الخدمات الصحية ، وللتغطية على هذا القصور ، بدأ رؤساء الحكومات السابقين التسابق لرفع
نسبة تغطية التأمين الصحي بين ( ٦٠٪؜ — ٨٠٪؜ ) ، وفي الواقع هذه الخدمة لا تتعدى إصدار بطاقات دون توفير الخدمات الصحية الضرورية . فمن يحتاج الى صورة طبقية مثلاً عليه ان ينتظر لما يقارب العام ، فيسبق وصول عزرائيل موعد الصورة الطبقية .

سأكتفي بالأمثلة الثلاثة التي اكدت فيها ان كافة الحكومات التي أتت وتسلمت إدارة الدولة الأردنية منذ نصف قرن لم تكن وطنية ، ولم تكن وفيّه ، ولم تكن مخلصة ، ولم تكن كفؤه بالمطلق .

منذ نصف قرن ، كان همّ الحكومات السابقة كلها التركيز على المكاسب الذاتية ، والوجاهة لا غير . والعجيب انه بعد ان كان يتم الطلب منهم تقديم استقالاتهم ، تتم اعادتهم بعد عام او عامين فيدخلون من الوزارة ويخرجون منها دون برنامج ولا محاسبة ، والوطن مستمر في تدهوره .

ولتوخي الدقة في التقييم ، فمن المؤكد ان تلك الحكومات الفاشلة ، كانت تضم بعض الوزراء الأكفاء ، لكنهم لم يستطيعوا عمل شيء ، إما لمعيقات خارجة عن إرادتهم ، او لقِصر مدة بقائهم في وزاراتهم .

وأعود الى عنوان المقال لأتحدث عن رئيس الوزراء الحالي الدكتور / جعفر حسان ، وأقول بأمانة وصدق ما يختلج بنفسي وقد كتبت عن ذلك وقلت ان المقياس هو ما ينجزه الرئيس الذي عليه يمكن قياس حجم عطائه ، وصدق انتمائه لوطنه ، وإختلافه
عمّن سبقوه .

طبعاً ليس من المنطق ان نطلب من الرئيس / حسان ان يحل كل الإختلالات والتشوهات والقصور المتنامي لخمسة عقود بيد سحرية ، أبداً . لكنني ألحظ تغيراً في نهج الرئيس ، يختلف ، بل يتميز عن كل من سبقوه منذ نصف قرن تماماً . مما يبشر بضوء شمعة في نهاية نفق وطننا المظلم . آملاً اعتبار ذلك مؤشراً يبعث على التفاؤل ، مع الإستمرار في مراقبة الأداء بعين متفحصة ، راصدة . وهنا أورد بعض المؤشرات :—
١ )) كان السيد / حسان واضحاً في تعليماته لوزرائه، بلغة تؤكد الحزم والحسم ، والتأكيد على ان الميدان هو مصدر التقييم . كما أكد على ان التواجد في الميدان لا يعني التواصل فقط دون معرفة القصور ، ووضع آليات للحلول وفق برنامج زمني محدد .
٢ )) بدأ السيد / حسان بنفسه كنموذج لمفهوم التواجد في الميدان لديه .
٣ )) الإستقصاء عن المكان الذي ينوي زيارته بمعرفة كافة التفاصيل ، وتحديد آليات الحلول ، وتوفير المبالغ المالية لتنفيذ تلك الحلول ، واتخاذ القرار الإجرائي في الميدان .
٤ )) ابتعاده عن بروتوكولات التفخيم ، والاستعراض في زياراته ، حيث كانت تتم بسرية تامة ، وعفوية وتلقائية حميدة ملفتة للنظر .
٥ )) إبتعاده عن الذهاب بمواكب مهيبة في غاية الفخامة ، حيث انه لم يكن برفقته اي موكب بالمطلق ، بل يستقل سيارته ويقودها احياناً بنفسه . بينما اتذكر ان احد الرؤساء السابقين كان موكبه يتكون من ( ١٣ ) سيارة مصفحة في غاية الفخامة ، التي لا أدري لماذا ؟ ومن يهدده ؟ لا بل من يعبأ به ؟ هذا إضافة الى تخصيص ( ٣ ) موظفين لفتح باب السيارة له ؟
٦ )) زياراته الميدانية ليست شكلية ولا استعراضية ، حيث انه يستمع أكثر مما يتحدث ، ويسبر أغوار كل مشكلة لمعرفة أدق التفاصيل ، ويضع الحلول في الميدان ويأمر بالتنفيذ .
٧ )) بدأ زياراته بالأماكن المهمشة ، مخالفاً كافة الرؤساء الذين سبقوه الذين اعتادوا على زيارة الأماكن التي لا تعاني من مشاكل ، حيث كانوا يعلنون عن الزيارة قبل اسابيع ، فيجدون كل شيء على ما يرام ، وكافة المسؤولين والعاملين متأنقين بأحلى ما لديهم ، وبعد دقائق ينصرفون الى دعوات غداء ( فخيمة ) مُرتبة مسبقاً .
٨ )) التقيت مع عدد من رجال الأعمال ينفذون مشاريع معينة ، واكدوا لي ان الرئيس يتفحص كل شاردة وواردة في المشروع ، واذا وجد بعض العوائق أمر بحلها في الميدان .
٩ )) وأخيراً أود الإشارة الى خطابه الذي قدمه لنيل الثقة امام مجلس النواب ، فوجدت انه يختلف تماماً عن سابقية ، حيث ركز على تنفيذ مشاريع سيادية كبرى وفق زمنٍ محدد . كما وضع آلية لتوفير التمويل اللازم لتلك المشاريع . والأهم انه لم يستجدِ الثقة من النواب . فكان شامخاً ، مترفعاً ، متعففاً ، أرنبة أنفه تطاول السماء .

وأختم وأقول : إن بصيصاً من التفاؤل نمى لديّ في أداء رئيس الوزراء الحالي السيد / جعفر حسان ، آملاً ان يكون بحجم الأمل الذي تولد لدى بعض الأردنيين بأن يُحسِن حسان إدارة وطنه ، وان يختلف عن سابقيه الذين ضيعوا الوطن . وان يبعث الأمل لدى الأردنيين بعد معاناتهم لنصف قرن مما أدى لفقدان الثقة برؤساء الوزارات .

وأهمس بأذن الرئيس ان يتوخى العدالة ، والحرية ، وتخفيض الأسعار وضبط انفلاتها ، وان يُفكفك بعضاً من حلقات الفساد الكبرى . وكما قلت في مقال سابق ان بإمكانه ان يسجل انجازاً عظيماً ليصبح بطلاً وطنياً يسجل إسمه بحروف من نور .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى