آفاق نيوز – خاص وحصري –
أصدرت المحكمة الدستورية حكمها رقم 2 لسنة 2020 القاضي برد الطعن المقدم من قبل المحامي د. نوفان العجارمة (رئيس ديوان التشريع والرأي السابق)، وكان العجارمة قد قدم طعناً بعدم دستورية البند (2) من الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون الجرائم الاقتصادية رقم (11) لسنة (1993) وتعديلاته، بداعي أن حكم هذا البند، يخالف على التوالي أحكام الفقرة (1) من المواد (6،7،101) من الدستور.
هذا وقد أحالت النيابة العامة أحالت الطاعنة (المتهمة هناء محمد ممدوح عبد الرزاق الشعابي/ مديرة لصندوق حماية البيئة وكلاؤها المحامون، د. نوفان العجارمة، واخرون)، إلى محكمة جنايات عمان لمحاكمتها مع أخرين، عن جناية استثمار الوظيفة بالاشتراك، بحدود المادتين (76 و 175) من قانون العقوبات وقانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
وقد شرعت محكمة جنايات عمان، بإجراءات المحاكمة، وأثناء السير بها، تقدم وكيل الطاعنة بمذكرةٍ دفع بمقتضاها بعدم دستورية البند (2) من الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون الجرائم الاقتصادية النافذ، وطلب وقف النظر بالقضية الجنائية، وإحالة الملف لمحكمة التمييز للبت في مسألة إحالة هذا الدفع إلى المحكمة الدستورية، وقد استجابت محكمة جنايات عمان لهذا الطلب وأحالت القضية لمحكمة التمييز بعد أن أوقفت نظرها
وقالت المحكمة الدستورية في حكمها أنه وبعد التدقيق والمداولة، واستظهار النصوص التشريعية ذات العلاقة، وما تضمنته المذكرة الوحيدة التي قدمها وكيل الجهة الطاعنة لمحكمة جنايات عمان، اثناء نظر القضية الجنائية ذات الرقم (997/2019)، والتي ينعى فيها بمقتضى الأسباب التي سامتها لأسناد طعنه بعدم دستورية البند (2) من الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون الجرائم الاقتصادية، بداعي مخالفته لمبدأ المساواة، الذي صانته أحكام الفقرة (1) من كلٍ من المواد (101،7،6) من الدستور نجد:
أ- أن الطاعنة، كانت موظفة عامة لدى وزارة البيئة بوظيفة مديرة لصندوق حماية البيئة، خلال الفترة الواقعة بين الشهر الخامس من عام (2010) وحتى نهاية عام (2017)، عندما تركت العمل لدى القطاع العام. وأثناء عملها تقاضت مبلغاً من المال، وبسبب ذلك تمت ملاحقتها بجرم استثمار الوظيفة.
ب– ان البند (2) من الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون الجرائم الاقتصادية رقم (11) لسنة 1993 وتعديلاته ينص ( لا تسري أحكام البند (1) من هذه الفقرة على الموظفين العموميين العاملين في السلك الاداري او القضائي، أو البلدي ، وضباط الاجهزة الامنية، او العسكرية ، او ايٍ من افرادها ، وكل عامل ، ا و مستخدمٍ في الدولة ، او في أيِّ ادارةٍ عامة).
ج- إن البند (1) من ذات الفقرة والمادة ينص على انه (يحق للنائب العام التوقف عن ملاحقة من يرتكب جريمة معاقباً عليها بمقتضى أحكام هذا القانون وإجراء الصلح معه إذا أعاد كلياً المال الذي حصل عليه نتيجة ارتكاب الجريمة ، او أجرى تسوية عليها ،ولا يعتبر قرار النائب العام في أي مرحلةٍ من مراحل التحقيق او المحاكمة نافذاً إلا بعد الموافقة عليه من قبل لجنة قضائية ، برئاسة رئيس النيابة العامة ، وعضوية كلٍ من : قاضي تمييز يختاره رئيس المجلس القضائي ، والوكيل العام ، وذلك بعد سماع رأي النائب العام ).
وحيث أن الطاعنة ، موظفة عامة ، بالمعنى المقصود بالفقرة (أ) من المادة (2) من قانون الجرائم الاقتصادية وفي سائر التشريعات التي وردت الاشارة في نصوصها إلى الموظف العام .
وحيث أن الركن الاساس في هذا الطعن ، يتفيأُ ظلال الادعاء ، بعدم دستورية البند (2) من الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون الجرائم الاقتصادية لعلة أنه لم يساوِ بين المشمولين بأحكام هذا البند المطعون بعدم دستوريته ،وبين المخاطبين بأحكام البند (1) من نفس الفقرة والمادة ، مما يشكل تمييزاً يخالف الحكم الذي ارسته الفقرة (1) من المادة( 6 ) من الدستور التي تنص (الاردنيون امام القانون سواء ، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وانْ اختلفوا في العرق او اللغة او الدين ).
وحيث ان هذا المذهب من الجهة الطاعنة بمفازةٍ شاسعة عن المبادئ التي تواضعت عليها وأرستها اجتهادات الفقه والقضاء في هذا الصدد لما يلي :
أولاً : ان مبدأ المساواة في حقيقةِ مقاصدهِ ومعانيه ، يقوم على اخضاع جميع المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة كما يتحقق مبدأ المساواة بتطبيق معاملة قانونية مختلفة على المراكز القانونية المختلفة وفي كلتا الحالتين يتعين التوافق مع ما هدف اليه المشرع وابتغاه في التشريع.
ثانياً : ان مبدأ المساواة ، يتعارض مع حالة التمييز بين افراد الجماعة او الطائفة الواحدة أو الفئة ، عندما تكون مراكزهم القانونية متشابهة أو متطابقة أو متماثلة .
ثالثاً : إن كُنْه المراكز القانونية ومعناها هو الحقوق التي يتمتع بها أصحاب هذه المراكز والالتزامات التي يتحملونها وتتوافق وتتماثل هذه الحقوق ، وتلك الالتزامات لدى فئة من الافراد لكنها تختلف لدى فئة اخرى ولكل من هاتين الفئتين مركز قانوني خاص بها .
رابعاً : إن المشرع يملك سلطة تقديرية يستقل بها في مجال نهوضه بالمهام التشريعية الموكولة إليه ، وهذه السلطة ترفده بمكنةٍ تخوله إجراء المفاضلة والملاءمة بين مختلف البدائل والوسائل ، مستجيباً لمقتضيات الصالح العام ، فيضع شروطاً موضوعية ، تتحدد بمقتضاها المراكز القانونية التي يتساوى بها الافراد امام القانون ويأخذ بالاعتبار ان التمييز المخلُّ لمبدأ المساواة هو الذي يستند الى اللغة او العرق او الدين او اللون.
خامساً :انه في رحاب هذا السياق كان مبدأ المساواة امام القانون الذي ارتضاه المشرع في الفقرة (1) من المادة ( 6 ) من الدستور الاردني وما يزال علامة فارقة وضمانة دستورية نوعية وسياسية وتحقق السلم والامن الاجتماعي.
وحيث ان المراكز القانونية للأشخاص المشمولين بأحكام البند (1) من الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون الجرائم الاقتصادية تختلف اختلافاً بيّناً عن المراكز القانونية للموظفين العموميين الذين اشار اليهم البند (2) من الفقرة (ب) من ذات المادة والقانون ، مما يجعل المساواة غير قائمة بينهما ، لعدم توفر شرطي العموم والتجريد .
وحيث ان المشرع عجم عيدان من يرتكب جناية معاقباً عليها بقانون الجرائم الاقتصادية ، من غير الموظفين العموميين ، ثم يعيد كلياً الاموال التي حصل عليها بنتيجة ارتكاب الجريمة ، أو يجري تسوية عليها ، فوجد أن مركزه القانوني بعناصره وشروطه وصفاته مختلفة عن المركز القانوني للموظف العام ، الذي يتعين عليه بمقتضى التشريعات الخاصة بالموظف والوظيفة ، ان يحافظ على المال العام والاّ يتجاسر بالاعتداء عليه ، بأي صورة من الصور وان تظلَّ حرمة المال العام ساكنة في حدقات العيون.
وحيث ان المشرع إذ إرتأى عدم سريان حكم البند (1) من ذات الفقرة والقانون ، على الموظفين العامين المشار اليهم في البند (2) من الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون الجرائم الاقتصادية قد احسن صنعاً، جزاء وفاقاً ، لما يُقْدمُ عليه الموظف العام من انتهاك لحرمات المال العام.
وحيث أن ما اثارته الجهة الطاعنة من حجج واسباب لا يجعل حكم البند (2) من الفقرة (ب) من المادة (9) مخالفاً لحكم الفقرة (1) من المادة (6) من الدستور.
وحيث ان لا علاقة بين وقائع هذا الطعن وبين حكم الفقرة الاولى من المادتين (7 و 101) من الدستور.
وحيث أن حكم البند (2) من الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون الجرائم الاقتصادية رقم 11 لسنه (1993) ، غير مشوب بعدم الدستورية ، ويتفق وأحكام الدستور وأسباب الطعن لا تنال منه مما يجعل الطعن حرياً بالرد.
لهذا وتأسيساً على كل ما تقدم نقرر الحكم برد الطعن.