هل باتت تونس مهددة بالدخول في دوامة إعادة جدولة ديونها؟

Husam6 يونيو 2023آخر تحديث :
هل باتت تونس مهددة بالدخول في دوامة إعادة جدولة ديونها؟

اَفاق الإخبارية – تواجه تونس صعوبة كبيرة للحصول على قروض بشروط ميسرة لضمان توريد السلع الأساسية أو تسديد ديونها الخارجية لاسيما جراء تعثر الاتفاق مع صندوق النقد الذي يفترض أن يفتح لها باب الاقتراض من الأسواق الخارجية، مما جعل الخبراء يخشون دخولها في دوامة إعادة جدولة الديون.

وتبلغ احتياجات تونس من الاقتراض خلال العام الجاري حوالي 25 مليار دينار (8 مليارات دولار)، وتتوزع حاجياتها بين قروض داخلية من البنوك بنحو 9.5 مليارات دينار (3 مليارات دولار)، وقروض خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار (5 مليارات دولار)، وذلك بحسب تقرير ميزانية الدولة التونسية لسنة 2023.

وخصصت الحكومة التونسية جانبا من حاجيات الموازنة لهذا العام من القروض الخارجية لدعم ديوان الحبوب قصد توريد القمح الصلب واللين المستخدم في صناعة الخبز والعجين، كما خصصت جزءا آخر لتوريد المحروقات والأدوية وخلاص أقساط من ديونها.

لكن تراجع مخزون العملة الصعبة نتيجة شح الاقتراض الخارجي ألقى بظلاله على قدرة تونس على التزود بشكل غير متقطع بالمواد الأساسية، ما خلق اضطرابا حادا في توزيع البنزين الخالي من الرصاص أو صناعة الخبز أو توزيع السكر والقهوة، وهو ما أثر بشكل كبير على حياة الناس.

تخبط في العجز

يقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إن الأزمة المالية العمومية مع صعوبة الاقتراض الخارجي، تسببت في عجز مالي للمؤسسات الحكومية المسؤولة عن توريد المواد الأساسية، وهو ما جعلها تخسر ثقة البنوك في الداخل والخارج وتخسر ثقة المزودين في الخارج.

ويؤكد سعيدان للجزيرة نت أن احتياطي العملة الصعبة تراجع الشهر الماضي إلى 93 يوم توريد مقابل 129 يوما في الفترة ذاتها من العام الماضي، ويقول “عندما نقترب من 90 يوم توريد للمواد الأساسية فهذا يعطي رسالة للدائنين الأجانب أن تونس مهددة بالتعثر في تسديد دينها الخارجي”.

وتونس مطالبة خلال العام الجاري بتسديد ديون في حدود 21 مليار دينار (7 مليارات دولار) منها 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) ديون خارجية بالعملة الصعبة. والسؤال الصعب بالنسبة إلى سعيدان هو “كيف ستتمكن تونس من تعبئة (الحصول على) القروض من الخارج دون اتفاق مع صندوق النقد؟”.

وحصلت تونس على اتفاق مبدئي في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2022 مع خبراء صندوق النقد لإقراض تونس 1.9 مليار دولار على 4 سنوات، لكن الاتفاق ما زال متعثرا بسبب رفض الرئيس التونسي قيس سعيد رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية في تناقض مع برنامج حكومته.

تصنيف سيئ

ويقول سعيدان إنه لا يوجد جواب مقنع حول طريقة تمويل موازنة 2023 من حاجيات البلاد من القروض وأيضا حول طريقة تمويل برنامج الإصلاحات الضرورية المرتبطة بالمفاوضات مع صندوق النقد، مذكرا بأن الحكومة لم تغلق إلى الآن موازنة 2022 و2021 لعجزها عن الاقتراض.

وكان لتدحرج التصنيف الائتماني لتونس لأسفل المراتب على سلم وكالات التصنيف العالمية تأثير مباشر في قدرتها على النفاذ للأسواق المالية العالمية، لذلك لجأت تونس إلى حلول قصوى على غرار اللجوء المتكرر إلى الاقتراض بالعملة الصعبة من البنوك المحلية، وفق سعيدان.

ومن بين الحلول القصوى الأخرى التي اعتمدتها تونس للحصول على قروض بالعملة الصعبة، هو الاقتراض مؤخرا من البنك الأفريقي للتصدير والتوريد بقيمة 500 مليون دولار على مدى متوسط 5 سنوات لكن بنسبة فائدة عالية وسط مخاطر صرف عالية ومتقلبة.

ويقول سعيدان “إذا تعثرت تونس في تسديد أقساط الدَّين الخارجي فإنها ستدخل في دوامة إعادة جدولة الدين الخارجي وهذه مرحلة خطيرة جدا وتتطلب اتفاقا مع صندوق النقد الذي سيقوم بدارسة لمعرفة مدى استدامة الدين الخارجي التونسي والجدوى من طلب إعادة الجدولة”.

شبح الإفلاس

وكانت وزيرة المالية التونسية سهام نمصية أكدت صراحة خلال جلسة عامة بالبرلمان، الخميس الماضي، خلال المصادقة على القرض مع البنك الأفريقي للتصدير والتوريد أن الحكومة بحاجة لهذا القرض من أجل تسديد دين خارجي خلال شهر يونيو/حزيران الجاري.

واعتبرت أن عدم سداد القروض الخارجية بالعملة الصعبة بمثابة إعلان عن إفلاس الدولة، مؤكدة وجود ضغوط كبيرة على ميزانية الدولة نظرا لكون المصاريف تفوق المداخيل والموارد الذاتية للدولة، وبالتالي لا مفر من الاقتراض بالعملة الصعبة لضمان مواصلة الدولة التزاماتها.

من جهة أخرى، يؤكد وزير المالية الأسبق سليم بسباس للجزيرة نت أن الإشكال الذي تواجهه المالية العمومية الآن هو أن تقديرات موازنة سنة 2023 كانت مبنية على حصول اتفاق مع صندوق النقد الدولي للتمكن من الاقتراض من الأسواق المالية العالمية بكلفة مقبولة.

ويقول إن “تأخر إبرام الاتفاق مع صندوق النقد تسبب في انسداد الطريق للنفاذ للأسواق العالمية بشروط ميسرة، والدليل على ذلك لجوء تونس للاقتراض من البنك الأفريقي للتصدير والتوريد لدعم الموازنة وخاصة لتمويل شراءات المحروقات بالأساس”.

ويرى أن الحط من الترقيم السيادي لتونس من قبل وكالات الدولية لأسفل المراتب جعل كلفة الاقتراض من الأسواق المالية العالمية باهظة جدا حيث تقارب نسبة الفائدة 15%، إضافة لمخاطر انخفاض الدينار التونسي أمام العملات مما يزيد في أعباء خدمة الدين.

إعادة الجدولة

وما يزال وزير المالية الأسبق يعلق آمالا على حصول اتفاق مع صندوق النقد الذي يفترض أن يفتح لها باب الاقتراض من الأسواق الخارجية والحصول على قروض بشروط أفضل للتمكن من توريد السلع الأساسية وتسديد أقساط من ديونها لاسيما ديون صندوق النقد خلال هذا العام.

وإذا لم يحصل اتفاق مع صندوق النقد سيشهد مخزون العملة الصعبة تراجعا حادا ما ستكون له مخاطر على سعر الدينار التونسي وعلى التضخم والقدرة الشرائية للتونسيين المتدهورة أصلا وعلى المخزون الإستراتيجي للمواد الأساسية كالمحروقات والأدوية وعلى سداد القروض.

ورغم ذلك يقول بسباس إن “تونس لن تصل إلى مستوى الإفلاس سنة 2023 لكنها تقترب منه كلما واجهت صعوبات للنفاذ للأسواق المالية العالمية”. ولا يستبعد لجوء تونس إلى نادي باريس إذا عجزت تماما عن سداد قروض ثنائية مع دول مثل فرنسا أو ألمانيا أو غيرهما.

ولا يستبعد أن تصل تونس إلى هذه المرحلة للمطالبة بإعادة جدولة ديونها أو التخلي عن جزء من ديونها لعدم قدرتها على خلاص حقوق دائنيها الأجانب، ويقول بسباس للجزيرة نت “إذا تواصلت الصعوبات الاقتصادية والمالية سيكون هذا مآل تونس في السنوات المقبلة”.

ومن أبرز الجهات الدولية المقرضة لتونس البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية، فضلا عن بلدان عدة كفرنسا والجزائر والسعودية واليابان. ويقدر الدين العمومي في نهاية السنة الجارية في حدود 76.7% من الناتج المحلي.

والعام الجاري يتعين على تونس سداد أقساط من ديون خارجية على غرار قرض باليورو بقيمة 500 مليون يورو في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وأقساط من قرض سابق لصندوق النقد في حدود 412 مليون دولار وقرض للسعودية بقيمة 100 مليون دولار وغيرها من القروض.

المصدر : الجزيرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه