غزة: هل بلغنا مرحلة التخطيط للهجوم الدفاعي؟

بسام ابو شريف

المعركة التي دارت على مدى يومين في قطاع غزة أبرزت أمورا غاية في الأهمية، وأفرزت دروسا أهم فماذا أبرزت هذه المعركة البطولية؟

لقد أبرزت مرة اخرى حقيقة لابد من مواجهتها وملاحقتها ومحاولة القضاء عليها، وهي العملاء ومايلحقونه من ضرر قاتل بقيادات المقاومة ومقراتها ومخازنها، اذ أثبتت الوقائع أن اسرائيل ماكانت لتنجح في اغتيال قائد من القادة لولا وجود “جاسوس “، أو عميل أو مخبر يساعدها على اتمام جريمتها سواء استخدمت اسرائيل في هذه الجريمة الطيران أو المدفعية أو العبوات الناسفة أو القنص أو الهجوم المباشر، وكما نجحت فصائل المقاومة في تثبيت غرفة عمليات مركزية مشتركة آن الأوان لاقامة غرفة عمليات استخبارية مشتركة لمحاربة الاختراق وملاحقة العملاء والمحاسبة بشدة حتى يعرف الذي تسول له نفسه خيانة الوطن أن الثمن حياته.

اعدام العملاء ، هو طريق التخلص من هذه الآفة التي تعود أسبابها بشكل عام لحالة الفقر والجوع والجشع، وتبرز هنا أيضا ضرورة التصرف الأمني الحذر في كل يوم، فالمعركة لاتوفر حتى في ظل وقف اطلاق النار الا فرصا للعدو الخبيث والماكر بأن يقتنص، وعودتنا التجارب أننا أمام عدو لاقيمة لتعهداته أو وعوده أو اتفاقياته، وهانحن نرى على الميدان الكبير ابتلاع القدس وتهويدها والتمدد في الضفة وفرض سيادة اسرائيل عليها واعلان نتنياهو عن نيته ضم الأغوار وشمال البحر الميت وهذا يعني مدينة أريحا، ولاشك أن الجميع يعلم أن مخطط نتنياهو يسير بقضم مئات الدونمات في كل يوم وخلع الشجر وسرقة المحاصيل دون أن تقوم السلطة بحماية المواطنين أو أرضهم أو زرعهم أو ضرعهم ، بل تكتفي السلطة بحماية اسرائيل وعدم الامساك بالعملاء وتسخير وقت المخابرات والأمن لاساءة معاملة الفلسطينيين وتأدية التحية للمحتل.

أما الحقيقة الثانية التي برزت، فهي ضرورة التخطيط والتحضير والجاهزية الدائمة للرد على العدو ، وستشكل هذه الحقيقة أساسا لمرحلة مقاومة للاحتلال وليس الرد على عدوان المحتل فالاحتلال عدوان قائم في كل لحظة ومكان، والقدرة على الرد على العدوان تشير للجميع وليس فقط للجهاد الاسلامي بأن انتظار العدو كي نرد عليه كلام غير مقبول الا اذا استخدم للتهيئة والتنظيم وحسن ادارة التحضير والاعداد لشن مقاومة ضد الاحتلال لاتتوقف الا بوضع حد للعدوان الأساسي، وهو الاحتلال والا سيكون الأمر عبارة عن “الدفاع عن البقاء”، وليس المقاومة للتحرير.

أبرزت المعركة هذه الحقيقة، فالتركيز وتوجيه الضربات التي أصابت أهدافا حيوية لاتتحدث اسرائيل عنها يدل على أن شن مقاومة ضد الاحتلال لاتتوقف الا بزوال الاحتلال، هو أمر ممكن ويجب السير نحوه.

وماذا أفرزت المعركة من حقائق ودروس؟

قد يستسهل البعض عند الحديث عن حساب الربح والخسارة حصر الأمر بعدد الصواريخ أو بمداها أو بالأهداف التي أصابتها ، ومن جهتنا بعدد الشهداء والجرحى وكم نسبة الأطفال والنساء منهم لكن الأهم من هذا الحساب الهام هو خسائر العدو الحقيقية، على مدى يومين أي 48 ساعة من الاشتباك ( بغض النظر عن التقييم ) ، وضعت اسرائيل من رأسها الى أخمص قدميها في حالة شلل تام لايتحرك من جسدها سوى الأطراف العسكرية والأمنية سواء أصابت صواريخ المقاومة أهدافا حيوية في اسرائيل أم لم تصب وسواء سقط لاسرائيل خسائر بشرية أم لم يسقط فهو يبرز الاقرار الأهم للمعركة ، وهو اصابة اسرائيل بالشلل – لاشك كبف اسرائيل أكثر بكثير من الكلفة العالية التي تكبدتها باطلاق مئات من الصواريخ المضادة للصواريخ “وهي باهظة جدا”، ويشير خبير بريطاني الى أن خسائر اسرائيل خلال هذا الاسبوع قاربت على ثلاثة مليارات دولار، ورغم ضخامة هذا التقدير للخبير البريطاني نحن نقول ان الخسائر أكبر بكثير ليس من حيث الكلفة المادية الفعلية بل من حيث ماولده هذا “الشلل”، من اهتزاز مدمر في ثقة الاسرائيليين بمستقبل اسرائيل.

ونحن على يقين أن معارك كهذه المعركة، وان كانت في دائرة التحضير للمقاومة تمتص تدريجيا من الثقة “الفارغة”، التي خلقتها العنجهية الصهيونية والوحشية الدموية العنصرية من مشاعر الاستعباد لدى كل الصهاينة، ولانشك لحظة في أن اهتزاز هذه الثقة سوف يولد هجرة مضادة لبلدان المستوطنين الأصلية حيث يمكن أن يعيشوا بأمان وسلام، الثقة بمستقبل اسرائيل تتآكل عبر هذه المعارك التي تتميز بارادة قتالية عالية لدى المقاومين وبقدرة على التضحية والتصميم على الانتصار.

برأينا أن هذا هو أهم مكسب من مكاسب الرد شريطة أن يوظف ذلك في التحضير لمعركة طويلة لاشك قادمة بين شعبنا والكيان الصهيوني، مانقوله هنا هو مصارحة بين المقاومين اذ لابدمن نقلة نوعية تميز المرحلة المقبلة، وهذه النقلة لايمكن احداثها الا اذا كانت مرتبطة بخطة مقاومة الاحتلال مقاومة مفتوحة الى أن يزول.

واننا نرى أن القشور اللامعة ، وحتى أسلحة واشنطن المتطورة سوف يكون مقدورا عليها سواء بما يلزم من سلاح أو بالوسائل القتالية البدائية للمقاومين، فالدروع مهما كانت قوية وحصينة لها نقاط ضعف قاتلة، وضمن هذا تبرز أهمية التخطيط والعمليات الخاصة وجمع المعلومات ومواجهة أساليب الجيش الاسرائيلي التي أصبحت معروفة وقديمة، وهنالك تكتيكات الشعوب المقاتلة وكمائنها لقوات العدو ووسائلها التي لاحصر لها، فامتلاك الصواريخ والطائرات المسيرة ضروري ويزيد من قوة المقاومة لكن قوتها الأساسية، هي في اشراك الشعب بالمقاومة حراكا سياسيا وتشكيل الفرق الصغيرة المتخصصة في ردع حركة العدو في قرانا ومخيماتنا وفرق المستوطنين المسلحين الذين يقطعون الشجر ويقتلون البشر، فالمستوطنون هم نقطة ضعف اسرائيل لأنهم جبناء ويرتعدون في فراشهم كل ليلة ، ولدى شعبنا أبطال لايهابون الموت.

يبقى أن نقول كلمة حق:

لقد أصغيت أكثر من مرة للمقابلة التي أجاب فيها الأخ العزيز زياد نخالة على أسئلة تتصل بالمعركة ، وأرى فيما قاله من نقاط تشير الى استراتيجية مستقبلية وتكتيكات راهنة فهما حقيقيا لواجبات المرحلة المقبلة … تحية له ولرفاقه ولكل المناضلين ، والنصر لنا أكيد وأنا على يقين ان نحن اتبعنا بصدق واخلاص معاركنا وخضناها بادارة وذكاء وحنكة.

اسرائيل تنهار، ومحور المقاومة يراكم انتصارات لذلك يتعرض المحور في سوريا ولبنان والعراق واليمن لهجمات تحاول اعادة عقارب الساعة للوراء …. لكن هذا لن يحصل.

كاتب وسياسي فلسطيني

( رأي اليوم )

Scroll to Top