شيفرة الحريري وسرّ الرقم 72

آفاق نيوز :

 يتحوّل الرقم 72 الذي حدّده الرئيس سعد الحريري كمهلة زمنية لدعم “الطروح الإصلاحية والتجاوب معها”، إلى شيفرة لا بدّ من تفكيكها والتوقّف عند معانيها وما يدور في كواليسها، خصوصاً أنها غدت بمثابة ساعة رملية تنذر بتطوّرات مفصلية حين تدق اللحظة صفر لانقضاء المهلة. العدّاد انطلق والبرهة الثمينة، في الانطباعات العامة، لكن لماذا 72 ساعة تحديداً؟ ماذا يخفي هذا الرقم في جوفه من دلالات رمزية حول نية الاحتكام إلى الاستقالة من عدمه، فضلاً عمّا يدور في الكواليس السياسية للدقائق الخاطفة – المتراقصة مع التحركات الاحتجاجية التي تجتاح البلاد؟

يُختصر ما يحصل في الكواليس معنى الرقم 72، بسلسلة اجتماعات في بيت الوسط، في ظلّ ورشة عمل متكاملة بعيداً من الاعلام، تشمل اجتماعات داخلية واتصالات سياسية. ويعتزم الرئيس الحريري إطلاع الرأي العام على تفاصيل المبادرة فور جهوزها، وفق معلومات لـ”النهار” من أوساط مقرّبة من رئاسة الحكومة. وقد حدّد الحريري مهلة 72 ساعة، ذلك أن في ذهنه سلسلة إجراءات إنقاذية، يعرضها الآن على مختلف الأفرقاء السياسيين، فإما يقبلونها كما هي وإما يرفضونها، مع التأكيد على أن الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات الللبنانية هما في صلب هذه المشهدية.

وإذ تسأل “النهار” الوزير جمال الجرّاح عن الشيفرة الحريرية، يجيب: “سيقدّم الرئيس الحريري ورقة إصلاحات عند انقضاء المهلة التي حدّدها، فإذا أتت ردود الفعل الإيجابية في الساعات المقبلة فإن الحكومة ستستمر وتقرّ الموازنة وتنزع الضرائب. ويحاول الرئيس الحريري القول في اللقاءات التي يعقدها إن المسؤولية مشتركة وما شوهد في الشارع لا بد أن يحثّ على السير في الاصلاحات. الخيارات محدودة ويكمن الخيار الوحيد المتاح في الإنجاز السريع. أتمنى أن لا يستقيل أحد وأن نتحمل المسؤولية وننقذ البلاد، فماذا يأتي بعد الاستقالة؟ لا قدرة على تشكيل حكومة جديدة”.

من زاوية أخرى، وفي رأي أوساط سياسية مواكبة للحركة السياسية التي تشهدها البلاد، تُستقرَأ الشيفرة الحريرية في إطار “طلب مهلة 72 ساعة بحثاً عن إيجاد مخارج، إلا أن المسألة أشبه بمزاح، فلا يمكن وضع عدّاد في السياسة، كما في محطّة الوقود مثلاً. ولا يمكن حصر الوقت في السياسة. وتنطبق هذه المهلة على المنطق العسكري، كأن يقال مثلاً إن مهلة وقف إطلاق النار تنتهي في غضون 72 ساعة، لكن لا يمكن إسقاط مهلة مماثلة سياسياً. وقد تكون الغاية من هذه المهلة تدارك الأوضاع وتخفيف وطأة حدّة التظاهرات وإرهاق المتظاهرين، وبذلك، انتهت مهلة 72 ساعة في اللحظة نفسها التي أعلنها الرئيس الحريري، وهي مهلة خالية من أي محتوى. ويصدّق البعض أن مصدر المشكلة الكهرباء والماء وسوء إدارة، إلا أن بيت القصيد يكمن في العقوبات الأميركية والضغوط الدولية التي يواجهها حزب الله. ويريد الحزب تكريس سلطة تعمل لمصلحته، ومن يرفض فليغادر بصمت. ويريد الحزب استمرار الحريري في الحكومة للإفادة من ورقته دولياً، في اللحظة التي يحتاج إلى مدافع في الملعب الاوروبي والاميركي. وعليه، لا استقالة للحكومة، فيما يبقى إمكان أن تشهد الساعات المقبلة استقالة وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية مجرّد احتمال”.

هل ترتفع احتمالات استقالة وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي و”القوات اللبنانية” في مهلة 72 ساعة أم تنخفض؟ يبدو جلياً أن نبض الاستقالة لدى التقدمي لا يزال قائماً مع تقدّم وقت الساعة الرملية المحدّدة بثلاثة أيام، إلا أن لا قرار حازماً ونهائياً بالاستقالة. وينتظر التقدمي حركة الحريري، متابعاً تطوّرات الأوضاع لحظة بلحظة، على أن يتمّ الإعلان بقرار الاستقالة إذا ما اتخذ. الأجواء المعمّقة التي استقتها “النهار” أشارت، ليل الجمعة، إلى الاتجاه نحو تقديم وزراء التقدمي استقالتهم. وكانت الاستقالة ستقدّم مبدئياً الاثنين المقبل بعد انقضاء مهلة 72 ساعة. لكن الاجتماع الذي جمع الوزير وائل أبو فاعور بالرئيس سعد الحريري فرمل هذا التوجّه لكنّه لم يلغه، وباتت الإجابة راهناً: “الأمور قيد الدرس”.

النبرة “القواتية” تسأل عن الاصلاحات الجذرية. ويقول نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني لـ”النهار” إن “القوات طالبت بتنفيذ الاصلاحات التي ذكرها الحريري في خطابه. وتكمن النقطة الأولى المهمة في كلامه بضرورة تشكيل الهيئات الناظمة فوراً، وهو مطلب قوّاتي. وكنّا نأمل لو أن الحريري أعطى مهلة 72 ساعة قبل أسبوع، لكنّا أنهينا الموازنة، إلا أن هذه الاصلاحات كان يفترض أن تنفّذ في أسرع وقت قبل الوصول إلى هذه المرحلة بدلاً من أن يطول الوقت فيها. وما نادت به القوات طُبع ونُشر لجهة تشكيل هيئة ناظمة وإلغاء عقود الهدر الموجودة في الوظائف الخارجة عن القانون وضبط الجمارك. وذكر الحريري الكثير من النقاط في ما يخصّ الاصلاحات التي يجب أن تقرّ ولا بد من السير بها بالنسبة إلى الكهرباء، فكنّا وافقنا على دفتر شروط الكهرباء، فتوقّف فجأةً في نقاش حاصل ليس من قبلنا. نقول بضرورة تطبيق خطة الكهرباء فوراً بتفاصيلها بدءاً من الهيئة الناظمة إلى مجلس إدارة، وهي تفاصيل نشرتها القوات وطالبت بها منذ اليوم الأول في موازنة 2019. وعليه ما تحدّث به الحريري كان يجب أن يحكى قبل أسبوع. ونتمنى أن يبرز عمل جدي في النقاط الاصلاحية”.

المصدر: صحيفة النهار اللبنانية – مجد بو مجاهد

Scroll to Top