قلعة عجلون / الربض

Stocks14 أكتوبر 2019آخر تحديث :
قلعة عجلون / الربض

آفاق الاخبارية –

أحمد أبو دلو

التاريخ  ذاكرة تتجدد كالقلب  النابض  بتعاقب  الأجيال  ،،،  ينهض  الصرح  الكبير ولا يقوى  الزمن عليه  ،، ويبقى  في ذاكرة  الأمم ،، وكذلك هو الأردن  أين ما تجولت  فيه  ستجد انك في ارض الخير  والعطاء  ،،،  حباه   الله بالعديد  من المناظر الطبيعية  الخلابة  ،، وها نحن ندعوك   لزيارة  معالم  ومواقع  هذا البلد الطيب  واستقرار  الموروث  التاريخي  والحضاري ،،، فقط  في عجلون ترى الاردن  من اعلى  القمم  وترى القدس  وفلسطين  ارض   الشهادة  والفداء .

 عجلون  لفظ  عربي  وآرامي  قديم   مشتق من  عجل  ويعني  المكان    المستدير وهو اسم لأحد ملوك  مؤاب   في القرن  التاسع  ق. م ،،،،مكان  تعزلنا   عنه  وقائع  الحياة  الروتينية  في مدن بلاستكية لا روح فيها ولا أمل  منها ألا الضياع  للإنسان  ،،،ليس مكان  طارئا  انه  هناك  دائما،،، ولكننا  نبني  المدن وندخلها    ونموت  في  أحياءها أو ازقتها أو شوارعها،، أو  في بيوتها  الحلزونية  المتقوقعة على  ذاتها ،،، وهمومها وأحزانها  وأفراحها  النادرة ،،،؟

 هناك ،،حيث التاريخ  التليد  تستلقي عجلون  على خاصرة جبل عوف ، وعلى ضفة ما كان يشكل قديماً نهراً عذباً  يرتوي منه  الساكنين  في احشائها  وفي اعلى  قممها ….وغاباتها ألصنوبريه  والبلوط  والعنب والتين  والزيتون … وضماء السينين….هناك  حيث الأهل  العابدين  الصابرين  على قساوة التاريخ  وجمود الجغرافيا  وعبثية اللغة ،،،؟

 

عجلون،،، حيث تأخذك  أقدامك   الى  قمم   الجبال   الشاهقات  المكتظة   بغابات   البلوط وأشجار   الصنوبر هناك    التأريخ    المضيء  والحاضر   الجميل   حيث   الاصطياف   حكاية  لا أحلى   ولا أغلى ،  جعلت من   تلك   البقعة  الرابضة   في   إحدى   زوايا   الشمال   الساحرة  مهوى   لأفئدة   السياح  وطالبي   الراحة   والاستجمام   .   

 الوصول من عمان الى عجلون متعة لا يمكن نسيانها ، فالطريق بينهما تمر بأكثر مناطق الاردن سحرا وجمالا ، والتي تجسد تناغم بين زرقة السماء وخضرة النبات ، وبين شاعرية اللوحات ورقة الهواء وصفاء الماء .

وعجلون ليست بعيدة ، خصوصا اذا ما قيست المسافة اليها بروعة المناظر الخلابة التي تأسر اللب حتى تحبس الانفاس ، وبالنشوة الكبيرة التي تصاحب المسافر من ساعة بدء الطريق ، والشروع في الصعود الى جبال جرش، وحتى الوصول الى قلعة الربض ، التي تتربع فوق جبل عوف ، ملقية الطرف على جبال القدس غرباً ، وعلى سفوح البلقاء شرقاً ، وسهول اربد شمالا ، تحرس وتبارك وتسبح الله على هذا الجمال !

وتقول  المسافة  الفاصلة  لها عن عمان  العاصمة بأنها  تبعد  (73) كيلو متراً الى الشمال الغربي منها، وتقع على بعد 24 كيلو متراً غرب مدينة جرش، مدينة الألف عمود والمدرجات والمسارح الرومانية ، التي بقيت شاهداً على حضارة أمة سادت ثم بادت.

والقاصد لزيارتها من عمان لابد له ان يسلك طريق عمان / جرش حيث يتجه من جرش  غربا عبر طريق جبلي ملتو ينحدر تارة ويرتفع اخرى، مخترقاً قرى اردنية اصيلة ، وغابات كثيفة تعطي الجو عبقا خاصاً ، يشعر بالانتعاش والمتعة على مدى الطريق   وخاصة  في أيام  الصيف  والربيع بما يخفف من متاعب الطريق …؟

وفي العهد الاسلامي ظهر  في عجلون  حركة علمية  وثقافية افرزت  عددا كبيرا  من  العلماء   والمفكرين  كان لهم  الفضل  في  نشر  الفقة  الاسلامي   وتعزيز  العقيدة ، وكذلك في باعون الجارة  لعجلون  ظهر بها عدد من  العلماء   والفقهاء   والشعراء   منهم  محمد  بن  هلال  العامري  الباعوني  والشاعرة  عائشة الباعونية  بنت  القاضي  يوسف  الباعوني  ولها  مؤلفات  جمة  مثل  الفتح  الخفي   والاثارات  الخفية  في  المنازل  العلية .

وعجلون  هذا  الثغر  الاسلامي   كانت قاعدة  حشد  ورباط  في العهد  الايوبي ،ودار علم  وفكر  وحضارة  في العهد  المملوكي   وانتشرت  المساجد  فيها  حتى  اصبح  تعدادها  اكثر  من مئة  مسجد  بعضها  قائم  حتى اليوم .

 قلعة  عجلون –الربض : شكلت القلعة  خصما عنيدا   وتهديدا  خطيرا  للقلاع الصليبية المنتشرة  في بلاد الشام مثل  قلعة  الكرك وكوكب الهواء  وصلخد  وصفد  .

 أقيمت  القلعة على  حصن  رابيتا   النبطي   الروماني ،ويذكر  المؤرخ  ابن  شداد  أنها  أنشأت  على  أثار  دير قديم   على  جبل بني عوف  الذي  يطل  على غور الاردن  من بحيرة   طبريا   وحتى  البحر  الميت  ويشرف  على  معابره  الرئيسية  وأهمها  وادي   اليابس  فضلا عن  انه  يسيطر  على  طرق  المواصلات  بين سوريا  وجنوبي  الاردن .

والهدف من بنائها   رصد   تحركات   الفرنجة  من  حصن  كوكب الهواء  belvori  واستغلال  مناجم   الحديد  في جبال  عجلون   لصنع  السلاح .

   وتعتبر من القلاع  الإسلامية  المعروفة  وبنيت لتكون    نقطة   ارتكاز لحماية المنطقة والحفاظ  على خطوط المواصلات  وطرق  الحج  بين  بلاد  الشام  الممتدة بين  بحيرة   طبريا  والبحر  الميت .

واختيار الموقع كان مقصودا حيث  يطل  على  امتداد  شاسع  من  غور   الاردن  ما بين  بحيرة   طبريا   والبحر الميت  ويشرف  على  الممرات  الرئيسية  المؤدية  الى  الأجزاء  الشمالية  من   الغور   ووادي  كفرنجة  ، ووادي  راجب ،  ووادي اليابس  ،وزودت القلعة  عند بنائها   بأبراج  مربعة   أقيمت عند زوايا  البناء  وفتحت  جدرانها  السميكة   حلاقات  السهام  وأحيطت  من الخارج   بخندق   يبلغ  متوسط  عرضه  حوالي  16م   ويتراوح    عمقه  ما بين   12و15 م  استعمل  كحاجز   يحول  دون  الوصول  والاقتراب  من  الجدران  المحيطة  وتقف   قلعة  عجلون  معلما   حضاريا   تاريخه من  الماضي  وحاضرها سياحي .

 بناها عز الدين  اسامه  من  ابناء  عمومة  صلاح الدين  الايوبي ، واحد  ولائه  الاكفاء  في الفترة 1184 –  85 بعد الميلاد… وغرضها او هدفها ان  يحول  دون  توسع  مملكة  الصليبين  في شرقي الاردن  ،ولكي  تحافظ  على  طرق  المواصلات  مع دمشق.

جلبت حجارتها من منطقة علعال قرب اربد ، وكان غرض القائد المسلم صلاح الدين الايوبي من بنا هذه القلع عسكريا بالدرجة الاول هو قطع الطريق على هجمات الصليبيين وتحركاتهم ما بين قلعة الكرك التي كانوا يحتلونها وارض فلسطين التي كانت بقبضة أيديهم .

وهناك غرضا أداريا واقتصادياً حيث شكلت مركزاً ادارياً تابعاً لسنجق دمشق وكانت كذلك قاعدة للامداد والتخزين ومحطة انذار مبكر ومركز اتصالات وحلقة وصل ما بين دمشق وفلسطين ومصر ونقطة انطلاق لتحرير فلسطين من ايدي الصليبيين وقد استغرق بناؤها عامين.

وتعرف   السلسلة  التي  بنيت   عليها  القلعة  باسم  جبل  عوف  لان  عشيرة  من  بني عوف  كانت  تقيم   فيها  منذ  ايام  الخلفاء  الفاطميين  الاوائل ،  وكان  يحكم  هذه  العشيرة   شيوخ  تكثر  الخلافات  والحروب  بينهم ،   وبقيت  البلاد  على  هذه الحال  في  ايام  الملك العادل  سيف  الدين  ابي  بكر  ابن  ايوب ( شقيق  صلاح الدين )  اذ  اقطعها لعز  الدين  اسامه  احد كبار  قادتة ،  وبداء  عز الدين  ببناء  قلعة  يلجاء  اليها اتباعة  من  غزوات  بني عوف ،  ولكن  هؤلاء لم  يلتزموا  جانب  السكنية  فأقنعهم  الامير  بانه  يستهدف  من  بناء القلعة  حمايتهم  من  عدوان  الافرانج .

وعندئذ  كف  بنو عوف  عن حركاتهم  واخذوا  يساهمون   في بناء  القلعة  وحينما  تم  بناء  القلعة  دعا  الامير   شيوخ  بني عوف  الى وليمة   داخل  جدارنها  ولما  فرغوا  من   الطعام  امر عبيده القاء القبض عليهم وسجنهم .

وفي  عهد  المماليك اصبحت  القلعة  مركزا  للبريد  بسبب   موقع  القلعة المرتفع الذي   جعل  منها  موضعا  مثاليا  لاحدى  المنارات    ومركزا  للحمام  الزاجل  الذي  كانت  ترسل  الانباء  بواسطته  من  حدود  الفرات  الى  القاهرة  بين  شروق  الشمس   ومغيبها. 

وصف القلعة : تكاد  القلعة  تكون  مربعة  الشكل  ومساحة  البناء  حوالي  5000 م2  ،وتشتمل  عدة  ادوار  وابراج  كثيرة  لمراقبة  وصد  الغزاة   وتتوزع  قاعات بداخلها ولها  مداخل   ومسالك  صممت  بمنتهى  الاتقان   وبعض  هذه  القاعات  مزودة  بخدمات  متكاملة  لها  نوافذ  كانت  تغلق  بحجارة  سهلة  التحريك   في  ايام  الحرب   و تزال  عن النواافذ  في اثناء  السلم  لدخول  الشمس  والهواء  الى  داخل  القلعة   وتتميز  حجارتها  بانها خشنة   وضخمة .

 وبقيت  القلعة صامدة   شامخة  عصية على  الغزاة   والفاتحين   وقوية أمام  كوارث  الطبيعة  كالزلازل  لكنها   سقطت  اثر  هجوم  مغولي  عليها   هدم  بعض  اجزائها  واعيد  ترميمها   وتوسعتها  وكان  ذلك  عام  1214 على يد  عزالدين  ايبك  بن عبدالله  ممثل  الملك  المعظم،وقام  سلاطين  المماليك  بأعادة  البناء   وكانت   وقتها  تتبع   دمشق  التي  كانت  تحت  حكم  المماليك .

 

ومن قلعة عجلون  واطرافها  هزم  الناصر  صلاح  الدين  الايوبي  جيوش  الصليبين  بحروب  استمرت  ثمانية  اعوام   واجه  في  خلالها  22 ملكا  اوروبيا   ومنهم  فريدريك  الالماني  وريتشارد  قلب الاسد الانجليزي  خاض  ضدهم  74  معركة  وحرر 50  خمسين  مدنية   وقلعة  قبل  ان  يهاجمة  الموت  عن عمر لم يتجاوز  57عاما   وثروة لم تتجاوز 47درهما  غفر  الله  له  وجزاه  عن امته  خيرا .

 وبمشاهدة أركان   القلعة   ستكون  مأخوذا  بما  ترى  من عظمة  التخطيط  الهندسي   الرائع  في   العمران  الإسلامي   والرسالة  التي  يؤديها  القائد   صلاح  الدين  في  أبراز  النزعة  العسكرية   والحنكة  القيادية  التي   تظهر  في  أروقة  القلعة وخارجها ،حيث  يحميها ويحيها خندق واسع  وعميق جدا  يعزز فيها   تحصينها  وأمنها  من    الأعداء  المتربصين  بها.

وفي قلب   القلعة  خفايا  وأسرار  لهذا    الموقع   الاستراتيجي  الهام   في حياة  القائد   صلاح  الدين   اذ   غدت  تعمل   القلعة على  انها  المستودع الرئيس  لتخزين   المواد الغذائية  خاصة   الحبوب منها  بالإضافة  الى السلاح   العنصر  الهام   في المعارك والذي   خصصت  له  المستودعات    في أسفل   ارض القلعة.

  ويشار  للقلعة انها  ساهمت  في ازدهار   المدنية عبر ثلاثة  قرون  في  العهد  الأيوبي  والمملوكي وذلك لتميزها  في  استتاب  الأمن  والسلامة  ،  والذي   أدى   بدوره الى توسع  الحركة ،   العمرانية   والتجارية  القادمة من الجزيرة  العربية  ومصر  ودمشق  ،  فانعكس  ذلك  ايجابيا  على   الساكنين .

وتزخر عجلون  بالمواقع   الأثرية   التي لها   مدلولات   تاريخية حيث يوجد  أكثر من   200  موقع   اثري   منها  بارز ومعروف  والأخر ما زال  ينتظر العمل  والتنقيب  مثل    مسجد كفرنجة وعصيم  ومعلم  سيدي   بدر  الواقع   وسط   مدنية عجلون    والبدية   وقلعة  عجلون  التاريخية .

عجلون  ومقومات  السياحة : جمعت منطقة عجلون من الامكانيات السياحية ما لم تجمعه غيرها  من المناطق ، قربا في الموقع وجمالا في المناظر ، وكثافة في المواقع السياحية ، بالاضافة الى تواجد الاستراحات والخدمات على  طول الطريق لاخر  نقطة  قد تخطر  على بالك .

 

ولعل أشهر مناطق جبال عجلون هي مناطق الغابات التي تحل رؤوس الجبال الشاهقة، راسمة لوحات ملونة من الاخضر القاتم ، حيث تسود اشجار البلوط والبطم ، الى الاخضر الفاتح حيث يتكاثر الصنوبر بعبيره الخلاب ، وتتناثر بينها اشجار البلوط الاخرى بلونها البني المصفر .

 

بين تلك الغابات المتشابكة تتناثر القرى الجميلة والبيوت الفارهة والفلل الانيقة التي اخذت تتكاثر في المنطقة ، خصوصا بعد تحسين شبكة الطرق الرئيسية في المنطقة ، والتي تربطها بمختلف مناطق الاردن الرئيسية   ، مما جعلها قريبة المنال في كل وقت .

  والى  جانب   المدينة  الأم   تضم  منطقة  عجلون  العديد   من مواقع  الاصطياف  والتنزه  الجميلة  بخضرتها   الدائمة  في كافة  فصول  السنة،  ومن  أهمها  اشتفينا  ،  عبين  ، عبلين  ،كفرنجة ،   عنجرة ،  وغيرها  من المناطق   المرتفعة   الساحرة   المكسوة   بالغابات  الجميلة  والتي   تعد من   ألاماكن  السياحية  الشهيرة  التي   يؤمها  الأردنيون  والزوار  من كافة   أنحاء العالم   طلبا  للراحة  والتنزه   بين    أحضان   الطبيعة   الجميلة   وفي   الإحراج التي  تغطي   سهول  عجلون  وغاباتها .

 

 واخيرا.. فان جبال عجلون ، جوهرة الاصطياف في الاردن ، تقدم  لهم الجمال والسحر ، وفوق كل ذلك مناخا منعشا وهدوءا قلما اصبحنا ننعم بمثله في هذا العالم المتسارع .

 وعجلون  اليوم  تشكل  قلب  المحافظة  الخضراء  اليانعه   اثارها  تحكي  امجادها   واشجارها  تظل  وتطعم  اسودها  ونسيمها  يشفي العليل   وماؤها  يروي  الظاميء  الغليل   ومع  هذا  فهي  ما زالت  بحاجة  لمن  يأخذ  بيدها  نحو  معارج  الرقي   والتطوير  لتكون  مركز  جذب  سياحي  على  المستويين  المحلي   والعالمي   ومنتجعا  تهوي اليه  افئدة السائحين .

عجلون  من المدن   المميزة  بالقلاع   العملاقة  في اردننا  الذي نحب  وقد  خصها   بهذه المميزة  العجبية  الناصر  صلاح الدين  الايوبي ،  بزخم  بنائي  متكامل  آخاذ   تشرئب   الروح لزيارته ، وتلمس  ايقاع  تاريخ  الرجال   ممن زرعوا  هذه  الحجاره  الجميلة   في تكوينها  ولونها  ووقعها  بشكل  مهيب ، وهي   تجمع  قامتها  بهذه  الحلة   من على   تل  مرتفع   يكشف  لها  ما  حولها من  جبال  ازدانت  روابيها   باشجار   البلوط  والسنديان  والزيتون   واللوزيات  والعنب ،،،  عنوان  الخضرة  والزراعة التي تشتهر  بها  المنطقة  منذ القدم .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه