كيف نتجنب الاخفاق التشريعي في تنظيم مهنة المحاسبة في 2023؟

Husam23 مارس 2023آخر تحديث :
كيف نتجنب الاخفاق التشريعي في تنظيم مهنة المحاسبة في 2023؟

 

أ.د. منصور ابراهيم السعايده

ان السؤال الاول الذي يجب ان يوجه المشرعون والمهنيون والمراقبون لانفسهم هو هل يصلح قانون مهنة المحاسبة المؤقت لعام 2003 لاعتماده كاساس تشريعي عادل او القياس بموجبه عند اعادة النظر بتنظيم المهنة في 2023؟

والجواب على ذلك برأي انه لا يصلح للاسباب التالية:

اولا غياب أي تنظيم مهني للمحاسبين في حينه،كجهة اساسية واسعة النطاق ومهمة للاقتصاد الوطني ومتاثرة به، عن المشاركة في صياغة القانون بشكل متوازن والقدرة على الاعتراض على البنود المجحفة فيه بحق المهنة الام (المحاسبة) وحق فئة المحاسبين.

ثانيا  عدم تنبه المشرعين لتعارض المصالح الذي احتواه القانون عندما سمح لنفس الشخص بالعمل كمحاسب ومدقق في نفس الوقت بموجب المادة 30/ب منه والمادة 6/أ من نظام مزاولة المهنة رقم 7 لعام 2006 المبني على القانون.

ثالثا سن القانون بشكل مفاجئ في فترة اصدار القوانين المؤقتة بالجملة (التي وصفها بعض النواب المخضرمين بالمجزرة التشريعية) بحيث تم سلقه واصدارة على هوى ومصلحة فئة واحدة من الفئات المتاثرة به، وهي فئة المدققين الذين اشتركوا وحدهم بصياغته دون المحاسبين.

رابعا تناقض نصوص القانون مع الاسباب الموجبة التي دفعت بها الحكومة كمبررات لاصداره، اذ ان معظم هذه الاسباب تتكلم عن المحاسبة واهميتها ودورها في الحياة الاقتصادية ولكن القانون لم ينشئ اي تنظيم او كيان مهني لاعمال المحاسبة او للمحاسبين او يشركهم بالجمعية المهنية التي انشاها في حينه لانه حصر عضويتها بفئة المدققين فقط وفوق ذلك منح القانون المدققين الحق بالعمل في المحاسبة والتدقيق معا، و هو على عكس ما ذهبت اليه بقية بلدان العالم بتنظيم المهنة من كل اطرافها بحيث انشأت غالبية هذه الدول كيان مهني واحد متعدد العضويات (محاسب ومدقق وغيرهما) او عدة كيانات مهنية مكملة لبعضها لكن جميعها تخضع لقانون واحد وتحت رقابة مجلس اوهيئة مهنة واحدة، وهذا للاسف ما لم يحدث في الاردن.

خامسا جاء القانون بمسمى غير مشروع للمهنة “المحاسبة القانونية” الذي لم تستخدمه اي بلد اخر وليس له ترجمة انجليزية حقيقية او منطقية ويبدوا ان المقصود منه كان التموية على غير المتخصصين لخلط اعمال المحاسبة بالتدقيق والعمل بهما حسب رغبة مدقق الحسابات الاردني فهو مغطى سواء عمل في المحاسبة او عمل في التدقيق على الرغم من عدم مشروعية ذلك بموجب المعايير المهنية الاقليمية والدولية لان فيه اخلال بدستور مهنة التدقيق (الحياد والاستقلالية)، ولكن ليس هناك من جهة ذات سلطة تثير هكذا اسئلة جوهرية وتصر على اجاباتها من جهة متخصصة محايدة ومؤهلة، على الاقل لغايات لفت انتباه المشرعين وتمكينهم من التحوط لمعالجة المعضلات  التي احتواها القانونمن الان فصاعدا.

سادسا لم يركز القانون ابدا على تجويد عملية التدقيق نفسها حسب افضل الممارسات العالمية اويضع لها مزيدا من الضوابط الرقابية، مثل منع التوسع بالاعمال “غير التدقيقية” وضرورة تطبيق مفهوم “مراجعة الزميل” مثلما ذهبت اليه الكثير من دول المنطقة والعالم، بل على العكس كان اهم ما جاء القانون هو التشدد بشروط دخول المهنة مرة بعد اخرى بغض النظرعن المستوى العلمي للمتقدم بحيث اصبح علماء المحاسبة يعاملون معاملة حملة الدبلوم عندما تم الغاء احد نصوص قانون المهنة الدائم السابق رقم 32 لعام 1985 الذي كان يعفي حملة درجة الدكتوراة في المحاسبة من امتحان المهنة سعيا لفتح باب مشاركة هذه الفئة المتعلمة وبعض اساتذة الجامعات في تطوير وادارة المهنة ودفعها الى الامام وتعميم الفائدة الوطنية منها وتقليل واقع احتكار القلة التي تعاني منه المهنة على ارض الواقع. انكل هذه الاسباب وغيرها مما لايتسع المجال لذكره هنا تجعل  قانون مهنة المحاسبة المؤقت لعام 2003 غير صالح للنظر اليه كاساس تشريعي عادل او القياس بموجبه عند اعادة النظر بتنظيم المهنة لعام 2023.

ومن الطبيعي ان لا يخفى عل احد من اصحاب الاعمال اورجال الادارة او اعضاء الهيئة العليا لمهنة المحاسبة اهمية وظائف المحاسبة التي تتم في منشآت الاعمال كل يوم من ايام السنة من قبل عشرات الاف المحاسبين ليتمكن المدققون في الجزء الاخير من السنة من الاطلاع على مخرجات اعمال المحاسبة،وان عمليةالتدقيق هذه قد لا ينجم عنها اي تعديل للحسابات اذا ما كانت معدة على ما يرام من قبل محاسب مهني مرخص حيث كل ما يجب ان يقوم به المدقق في هذه الحالة المتكررة اعطاء راي نظيف او غير متحفظ للمنشاة، وبعكس ذلك قد يكون هناك تحفظ براي المدقق اذا كان هناك اخطاء جوهرية لم تصوب.

ان مهنة تدقيق الحسابات هذه غير مرهقة للمدقق الاردني لانها تتم احيانا كثيرة على اعمال المحاسبة التي قام بها المدقق نفسه (كاعمال غير تدقيقية) مستغلا غياب الرقابة الفاعلية على مدى استقلاليتة، هذا من جهة، ومن جهة اخرى يتم التدقيق في الاردن دون تحمل كلفة مراجعة الزميل (Peer Review) التي تعمل بها الدول الرائدة لضبط اعمال التدقيق والتاكد من جودتها واتمامها حسب الاصول ولكن مراجعة الزميل هذه للاسف غير معتمدة او مطلوبة في الاردن كما توصل لذلك الباحثان ابو زر وطه ببحثهم المنشور في المجلة الاردنية في ادارة الاعمال عام2012(مجلد 8، عدد4، ص ص 788-814) واظن ان هذا الوضع لم يتغير جوهريا للان.

ان المتابع لاحوال مهنة المحاسبة في الاردن يفشل في العثور على اي تنظيم مهني قانوني لاعمال المحاسبة  (اي صفر% تنظيم لاعمال اكثر من 100،000 محاسب) رغم اهميتها القصوى كخط دفاع اول ضد الغش والتلاعب في الحسابات فيما لو كان هؤلاء المحاسبون محصنون بتنظيم مهني كفوء ، ولكن لا احد يسال لماذا تاخر الاردن بايجاد هكذا تنظيم حتى هذه اللحظة على العكس من بقية دول العالم؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية هذا التأخر؟ وماهي الخسارة على الاقتصاد الوطني والخزينة العامة من غياب هكذا تنظيم؟ وعلى العكس من ذلك يجد المتابع للامر امعانا في تنظيم واعادة تنظيم جانب التدقيق من المهنة لثلات مرات والرابعة على الطريق  (للاعوام 1961 و 1985 و 2003 ومتوقع 2023) لاقل من 500 مدقق حسابات مرخص في كل انحاء الاردن، ونسمع دفاعا مستميتا من بعض الجهات التشريعيىة او الرسمية عن سلامة الاوضاع المهنية حتى لو كانوا غير متخصصين في حقل القانون.

للاسف كان قانون المهنة لعام 2003 هو الاسواء من وجهة نظر المحاسبين لانه صادر حقين اساسيين لهم

الاول حق حملة الدكتوراة في المحاسبة من الترخيص المباشر كمدققين، كما كان معمولا به في قانون المهنة الدائم السابق رقم 32 لعام 1985 بسبب تكالب بعض مدققي الحسابات المشاركين في صياغة القانون ضد مصلحة المحاسبين، وهو امر من الجدير ان يؤخذ بالاعتبار من الان فصاعدا اذا كان المشرعون والمراقبون مدركون لاهمية ومردود ذلك على المهنة.

والحق الثاني الاستمرار بتغييب الحاجة لاي تنظيم مهني للمحاسبين من خلال التمسك بتسمية مضللة للمهنة “المحاسبة القانونية” لتمويه الفرق بين المحاسبة والتدقيق والحاق اعمال المحاسبة بالتدقيق كما حاصل الان في الاردن، مما يجعل قانون 2003 غير صالح للانطلاق الى تنظيم متطور للمهنة يواكب المستجدات وروح العصر الذي نعيش والمرحلة الاقتصادية التي يصبوا الاردن لاجتيازها بنجاح.

وكاستاذ متخصص في المحاسبة عمل لاكثر من 30 سنة في جامعات محلية وخارجية لم افهم سر هذه المعادلة، صفر% تنظيم (او تطنيش) للمحاسبة أم 100،000 عضو رغم المطالبات الشعبية والبرلمانية بذلك و400% تنظيم للتدقيق، أم 496 عضو بقدرات خارقة لاتمام اعمال التدقيق والمصادقات وجرد الاصول والتحقق من الالتزامات ووضع التقارير حول بيانات عشرات الآف الشركات والجهات الاخرى الملزمة بالتدقيق سنة بعد اخرى، الا اذا كان هذا التنظيم قد جاء لخدمة فئة ضيقة بعينها على حساب المهنة والاقتصاد والوطني.

فحسب قانون تنظيم المهنة المؤقت لعام 2003 (مادة 30 /ب) عليك ان تحمل موهل في المحاسبة ثم  تحصل على ترخيص محاسب قانوني (مدقق) لكي تستطيع انتعود وتعمل في الوظائف المحاسبية الرئيسة في كل من الشركات المساهمة العامة والمساهمة الخاصة وشركات التوصية بالاسهم، والسؤال المنطقي هنا لماذا يجب ان يتكبد المحاسب الكلفة والعناء للوصول لقمة الجبل ليعود ويعمل في ادناه او اوسطه؟ويا ريت انه الترخيص للوصول الى قمة الجبل امر سهل نظرا للتعقيدات المفروضة الزائدة عن المالوف حتى شملت اساتذة المحاسبة في الجامعات، فرغم كل هذه السنين الطويلة من عمر المهنة في الاردن لم يرخص لمزاولة مهنة تدقيق الحسابات سوى اقل من 500 عضو، بسبب التدني الساحق لنسب النجاح في الامتحانات الاردنية اكثر بكثير مما هو عليه الحال في اعتى الدول الرائدة في هذا المجال (الولايات المتحدة) كما وثقت في احدى مقالاتي المنشورة في احدى الصحف المحلية يوم 16/1/2023 اذ بلغ متوسط نسبة النجاح في امتحان المحاسب القانوني الامريكي لاخر 8 اعوام (2015-2023) اكثر من ثلاث اضعاف وثلث نسبة النجاح في الامتحان الاردني (338.6%) .كل هذا للاسف يجري رغم وجود هيئة عليا للمهنة من كبار كبار موظفي الدولة وبعض الاكاديميين والمهنيين لم يتنبه احدا منهم او يقول كلمة او يبدي رايا او يجري حوارا او يصدر بيانا او يستمع لمتضرر حيال هذا الخلل الجوهري في تنظيم المهنة، وعسى ان تستدرك الهية العليا وتقول كلمتها قبل فوات الاوان وصدور القانون من جديد بصيغة لا سمح الله  تكرس بعض اوجه الخلل العديدة في القانون التي اشرنا اليها اعلاه وفي اكثر من مقال ووضعناها مع عدد اخر من الزملاء امام اللجنة القانونية واللجنة المشتركة لمجلس النواب الموقر.

اشعر بالاحباط والخيبة عندما الاحظ ارتفاع معدلات القبول في تخصص المحاسبة/ تنافسي في الجامعات على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا وادرك سرعة تبخر معلومات ومهارات الخريجين المكتسبة سريعا بعد التخرج وضياع جهود الطلبة واعضاء هيئة التدريس التي بذلت على مقاعد الدراسة دون مردود يذكر لعدم وجود كيان مهني قانوني يحتضن الخريجين ويتابع تطوير مهاراتهم ويؤهلهم اكثر لاشباع حاجات السوق المتشعبة للعمل المحاسبي المهني المتطور بتخصصاته المتعددة ولعدم السماح لاساتذة المحاسبة من المشاركة الفاعلة في تطوير المهنة من كافة اركانها ورفع مستوى مردودها الوطني على كل المهنيين وعلى الاقتصاد الوطني بسبب القيود والعقبات لتي تضعها قوانين المهنة كل قانون اشد من سابقة لمبررات غير مفهومة.

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه