بقلم: د. أشرف الراعي
تتزايد مخاطر الإنترنت في الوقت الراهن لا سيما مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية، والمواقع الإلكترونية، وكيانات الذكاء الاصطناعي، وأنظمة الحوسبة السحابية، وهو ما يجعل العبء في التربية والتعليم اليوم مضاعفاً أكثر من أي وقت مضى، لا سيما وان أكثر المتأثرين من هذا التطور التقني والتكنولوجي هم “فئة الأطفال”، ولا أقصد هنا الأطفال بعمر صغير، بل كل من لم يبلغ سن الرشد من الأطفال بالمعنى القانوني والواقعي، أضف إلى ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يدركون كنه أفعالهم.
إن المخاطر الكبيرة التي تتعلق بحماية الطفل لا تندرج فقط بإمكانية التواصل معه من قبل أشخاص لا يعرفهم؛ بل بإمكانية الاعتداء عليه وعلى خصوصيته وعلى معلوماته خصوصاً من الشبكات الإجرامية التي أصبحت اليوم تعمل بطريقة منظمة في شتى أنحاء العالم عبر شبكة الإنترنت، لا بل والاعتداء عليه جنسياً وتصويره ونشر صوره؛ حيث أظهرت البيانات أن السنوات العشر الماضية سجلت آلاف الحالات من الاعتداء الجنسي، وهو ما أورده أستاذنا الدكتور عبدالإله النوايسة في كتابه الذي يعالج الجرائم الإلكترونية، وهو رقم تصاعد وتزايد لا سيما في فترة انتشار وباء كوفيد – 19؛ حيث صرح الأمين العام للإنتربول يورغن شتوك في كلمة ألقاها أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أن “هناك تصاعداً هائلاً في حالات الاعتداء على الأطفال واستغلالهم الجنسيين عبر الإنترنت بسبب جائحة كوفيد-19 وأنه مستمر بلا هوادة”.
ومن هنا، فإن من الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى العمل بجد من أجل محاربة ذلك، سواء على الصعيد المجتمعي أو القانوني، فعلى الصعيد المجتمعي لا بد من توعية صارمة تبدأ من الأسرة ولا تنتهي بالمدرسة بل تشمل كل مفاصل حياة الطفل في الحديقة والشارع ومراكز التسوق، وإبعاده عن التعلق الزائد بالأجهزة اللوحية المحمولة والهواتف الذكية وشبكة الإنترنت، ومتابعة تحصيله العلمي والدراسي والتركيز على المهارات التقنية في أوقات محددة ومراقبة ما يتابع.
أما على المستوى التشريعي؛ فلا أرى – كمتخصص – أن التشريعات الوطنية في هذا المجال في عموم عالمنا العربي كافية، ولا بد من ثورة تشريعية تحمي أطفالنا من الاعتداء عليهم أو استغلالهم، وفي ذلك لا بد وأن أشير إلى موقف متقدم لمحكمة الجنايات الكبرى في قرار لها أيدته محكمة التمييز الأردنية والتي اعتبرت أن “قيام الجاني بغرس كاميرا لمشاهدة عورة المجني عليها تشكل استطالة إلى عورتها؛ وبالتالي فإن ذلك يعد بمثابة جريمة هتك عرض يُحاكم فيها الفاعل أمام محكمة الجنايات الكبرى التي تختص بأربعة أنواع من القضايا؛ وهي القتل، والاغتصاب، وهتك العرض، والخطف الجنائي، والشروع فيها جميعها”.
وكما أشرت في مقال سابق، فإن هذا القرار يشكل ركيزة قضائية في اعتبار أن العالم الافتراضي يتشابه مع العالم الإلكتروني وأن ما يقع من جرائم في العالم الواقعي يقع في العالم الافتراضي يدفع نحو قرارات قضائية صارمة بتطبيق قواعد الشريعة العامة في قانون العقوبات في حال خلو قانون الجرائم الإلكترونية من النص عليها؛ رغم تحفظاتنا القانونية على بعض نصوصه والتي تتطلب تعديلاً يليق بالأردن بسبب ما يعتريها من تناقض في بعض الجوانب التي أشار إليها الفقه الجزائي الأردني في أكثر من مرة.
وبالتالي، نحن اليوم لسنا فقط بحاجة إلى تعديل تشريعي، بل نحن بحاجة إلى تعاون دولي في هذا المجال، وذلك من خلال عقد الاتفاقيات الدولية التي تكافح الجريمة المنظمة وتحمي أطفالنا من الاستغلال عبر شبكة الإنترنت، من أن يكونوا ضحايا للعديد من الجرائم لا سيما وأن الجرائم التي يمكن أن يتعرض لها هؤلاء الأطفال خطيرة جداً؛ ومنها مثلاً غسيل الأموال أو نشر المخدرات أو استغلالهم جنسيا أو استعمالهم في تجارة الرقيق من دون أن يكون الجاني متواجد في ذات البلد التي يتواجد بها المجني عليه وهو ما يزيد الأمور تعقيداً وصعوبة.
الإنترنت مجال خصب وواسع، وهنا لا بد من الإضاءة على تجربة مميزة نفذها مجموعة من الناشطين في دولة الإمارات العربية المتحدة بإطلاق جمعية خاصة بحماية الطفل الإماراتي في هذا المجال، وهي جمعية الإمارات للإنترنت الآمن، والمعنية بحماية الأطفال، وهي تجربة مهمة في الحفاظ على الأطفال من أية جرائم قد تقع مستقبلاً في هذا المجال.
نحن اليوم… ولا أتحدث عن الأردن فقط، بل عن العالم العربي عموماً بحاجة إلى “جردة حساب” في التعامل مع المخاطر التي يمكن أن تلقيها شبكة الإنترنت على واقع أطفالنا، ومعالجتها بالتعاون مع المختصين، تشريعياً، ومجتمعياً، مع تكريس الجهود اللازمة في هذا الإطار وخلق حالة من التشاركية بين الدول من أجل مجتمعات خالية من الجرائم الإلكترونية على الأطفال، وحمايتهم، لأن أطفالنا يستحقون طفولة نظيفة ورائعة، ونحن نستحق أن نراهم يكبرون أمام أعيننا بصورة لافتة وصحية، فهم فلذات أكبادنا، وهم مستقبل أوطاننا والتطورات التقنية المستقبلية يجب أن تعود عليهم بالإيجاب لا بالسلبيات، ليكونوا بخير وتكون أوطاننا دوماً بخير.