افاق الاخبارية
الشيخ / حسين الطراونة .. شَخصِيةٌ وطنيةٌ وازِنَة
بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
(( الجزء الأول ٥/١))
لله دَرُ هذا البلد الصغير بمساحته ، العظيم بِهمةِ ، وأنفةِ ، ووطنية ، وقومية رجالاته المؤسسين .
رِجالٌ كِبار في إنتمائهم وعطائهم للوطن . كِبار في جُرأتهم لا يَخشون في قول الحقِّ لَومةَ لائِم . يَرقُبون الأحداث بوعي ، وذكاء ، وإطلاع ، ولا يسكتون عندما يستشعرون خطراً ما يهدد الوطن ووجوده . وفي الإجتماعات واللقاءات يقولون ما يجب أن يُقال ، بكل شجاعة وجرأة — ليسوا إمعات كما غالبية كبار المسؤولين اليوم — دون ان يحسبوا حساباً للمخاطر ، والتهديدات ، وأحياناً التخطيط للتصفيات ، ومع ذلك لا يعبأون ، ولا يكترثون ، ولا تلين لهم قَناة ، ولا ترتجف لهم شِفة . يرفضون الخضوع ، والخنوع ، والإنقياد . ولا يساومون على الوطن ومستقبله ومقدراته . ولم يكتفوا او ينغلقوا على وطنهم ، بل فاض عطائهم حتى تخطّوا حدود سايكس وبيكو اللعينين وقدموا الكثير للأقطار العربية الشقيقة للإنفكاك من الإستعمار .
ولد الشيخ / حسين باشا بن محمد بن جبر بن جبرين الطراونة في مدينة الكرك عام ١٨٧٠ ، وتوفي في مدينة الكرك بتاريخ ١٩٥٢/١٠/١٧ ، عن عمرٍ ناهز ( ٧٦ ) عاماً . وهنا لابد من ذكر نبذة عن قبيلة الطراونة : — هي قبيلة أردنية ، تعود جذورها لتكون بطناً من بطون قبيلة النعيم النجدية ( نسبة الى نجد ) من عربان الحجاز ، الذين إشتركوا في بناء الكعبة المشرفة ، عندما هدمتها السيول ، قبل الهجرة النبوية الشريفة ، فرِفعة هذه القبيلة دفعتها للمساهمة بهذا العمل . زِد على ذلك ، أن بني نعيم إنفردت بين القبائل الأخرى في سِرِّ ( الخميرة ) التي تُشفي المصاب من داء السُعار وهذا مُثبتاً وفق المؤرخين ، كما كان لهم كرامات عديدة وكان الناس يتبركون بهم . وهم ينتسبون الى / حسين البطيحي ، وكان حسين يسكن الحجاز ، الا ان أحد أولاده هاجر الى وادي موسى ، وإسمه / محمد ، الذي رُزق باربعة اولاد ذكور ، غادر ثلاثة منهم وادي موسى بعد موت والدهم الى جهات مختلفة ، وبقي واحد منهم في وادي موسى . وانتقلوا الى الكرك في أواخر القرن الثامن عشر ، ويقال ان رئيس قبيلة الطراونة إسمه ( الطرو ) . ويحد أراضيها من الجنوب وادي الحسا ، ومن الغرب كثربا والبرارشة والغور ، ومن الشرق منطقة الحماد والخط الحديدي الحجازي والحجايا ، ومن الشمال الغساسنة . ونخوتهم في الحرب (( أهل الجردا )) ، وتعني حسب معجم المعاني : (( أنهم يُجرِّدون وينزعون هيبة عدوهم )). تلقى الشيخ / حسين باشا الطراونة تعليمه الأول على يد الشيخ / محمد القصراوي . ثم سافر الى اسطنبول ليُكمِل تعليمه هناك ، حيث أتقن اللغة التركية . وعندما عاد الى أرض الوطن عَمِل بالقضاء . وفي عام ١٩٠٢ تم تعيينه عضواً في محكمة بداية الكرك . وفي عام ١٩٢٠ عُين رئيساً للجنة القوانين في حكومة الكرك الوطنية . أي انه كان يمثل الجانب التشريعي في الحكومة ، بينما كان الشيخ / رفيفان المجالي يمثل الجانب التنفيذي ، بتوليه مهام متصرف اللواء . وخلال العمر القصير لحكومة الكرك عمل الشيخ / حسين باشا الطراونة بجهد متميز كي لا تنتقل لعنة الإنشقاقات التي كان يغذيها الإستعمار البريطاني في المنطقة الى الكرك . ومن هنا سعى لمنع إنفصال الطفيلة الذي كان محتملاً لأن الحالة الأمنية والعشائرية كانت مستقرة في الطفيلة أكثر من الكرك . وإعتقدَ انه اذا لم يتم وضع حدٍ للخلافات في الكرك ، فان ذلك يُعتبر مبرراً للطفيلة للإنشقاق . من هذا المنطلق أجرى الشيخ / حسين باشا الطراونة إتصالاته مع شيخ مشايخ الطفيلة آنذاك الشيخ / صالح العوران ، واسفرت الإتصالات عن ان تبقى قائمقامية الطفيلة تابعة للكرك . وتميزت هذه الحكومة عن باقي الحكومات المحلية انها وضعت قوانين تنظم العلاقة بين الأهالي والمجلس الوطني ، كما ركزت الحكومة على القضاء والعدل لعدم استقرار الأمن في المنطقة .
إعتُبر الشيخ / حسين باشا الطراونة أحد أكبر الزعماء الوطنيين ، الذين كانت لهم بصمات واضحة في العمل الوطني . ويعتبر أحد اركان الحركة الوطنية الأردنية في بداية تأسيسها ، بالإضافة الى كونه رمزاً من رموز الكرك ، وممثلها في أول مؤتمر إنعقد في مدينة إربد ، في ديوان عشيرة التل ، الذي تأسس فيه أول حزب وطني ، أُطلِقَ عليه إسم [[ المؤتمر الوطني الأول ]] ، عام ١٩٢٨ ، وكان يضم خيرة رجالات الوطن ، أمثال :- [[ الأمير الشيخ / راشد الخزاعي ، وشاعر الأردن / مصطفى وهبي التل ، والشيخ / كايد مفلح العبيدات ، والشيخ / حمد بن جازي ، والسيد / ( علي نيازي ) التل .. وغيرهم الكثير . (( سيتم التطرق للمؤتمر بشيء من التفصيل لاحقاً)) .
عند وصول الأمير عبدالله الى مدينة معان ، أعلن الشيخ / حسين باشا الطراونة أثناء إجتماع حكومة الكرك الوطنية تأييده للأمير عبدالله . إذ وجد انها فرصة لتشكيل حكومة عربية واحدة برئاسة الأمير عبدالله ، تكون بديلاً عن حكومة الكرك التي أخفقت في فرض هيبتها على المناطق التابعة لها ، وأصبحت تربة خصبة للتناحر والنزاعات العشائرية ، خاصة بين (( الشراقا والغرابا )) ، حيث لم يكن لرجال الدرك المحلي القدرة على حفظ النظام .كما اعتقد ان تشكيل حكومة عربية واحدة يساعد في وضع حدٍ للنفوذ البريطاني في المنطقة . هذا ما آمن به الشيخ / حسين باشا الطراونة إيماناً قوياً لإدراكه لمخاطر النفوذ البريطاني . ومن هنا جاءت خيبة أمله هو وغيره من الوطنيين في العام ١٩٢٨ ، عندما تم توقيع المعاهدة البريطانية الأردنية . والتي كان من ردود الفعل عليها تأسيس حزب المؤتمر الوطني الأول ، وتم إنتخابه رئيساً للجنة التنفيذية للحزب . ودفع الشيخ / حسين باشا الطراونة ثمن معارضته هذه حيث سُحبت منه كل القابه عام ١٩٢٩ ، وقُطعت عنه كل مخصصاته المالية . في عام ١٩٣١ تم إنتخاب الشيخ / حسين باشا الطراونة عضواً في المجلس التشريعي الثاني . كما إنتُخب في عام ١٩٤٢ عضواً في المجلس التشريعي الخامس . ومنحه الشريف الحسين بن علي وسام النهضة العربية ، الذي يعد من أرفع الأوسمة الملكية في ذلك الوقت . (( يتبع الحزء الثاني لطفاً )) .