الحكومة والصحفيون

افاق الاخبارية

بقلم : محمد حسن التل

يتوجه الصحفيون غدا لاختيار نقيبا جديدا لهم وأعضاء جدد للمجلس ، والواقع أن هذه الإنتخابات تأتي في ظل ظروف صعبة قاسية ، وتغطي بظلها الأسود على كامل الجسم الصحفي ، سواء من الناحية المادية أو المهنية ، فالمؤسسات الصحفية الكبرى التي خاضت معارك الوطن لعقود طويلة وكانت تقاتل إلى جانب الدولة والجيش تعاني من شح في المال يصل إلى حد العجز عن شراء الورق وغيره من مستلزمات الإنتاج التي تؤمن لها الإستمرار ، والأهم من ذلك عجزها عن دفع رواتب الصحفيين والعاملين بانتظام ناهيك عن التأمين الصحي وغيره من الأمور التي كانت تشعر الصحفي بالإطمئنان ، فيبدع في مهنته وعمله.

والمشاكل التي تواجه الصحافة الإلكترونية لا تقل صعوبة عن المؤسسات الأخرى رغم أن هذه المؤسسات قدمت للصحافة الأردنية الكثير من الإعلام الملتزم والخبر الصادق والسبق الأكيد ، ولكنها تعاني من ضعف في الإعلان الذي تضطر تحت ضغط الأزمات المالية أن تأخذه بأقل من تكلفته إضافة إلى تهديد الحكومة المستمر لإقرار قوانين وأنظمة من شأنها أن تحد من حريتها ، رغم أن الصحافة الإلكترونية احتلت جانبا كبيرا ومهما في عملية متابعة المواطن لها كمصدر أخبار وازن.

الحديث عن واقع الصحافة والإعلام في الأردن يطول فقد استطاعت بعض الحكومات أن تدمر هذا القطاع الأهم من قطاعات الدولة ، لذلك فإن المهمة التي يجب أن يقوم بها المجلس القادم للنقابة هي وضع قضية الصحافة والإعلام على طاولة أصحاب القرار من جديد ، وبقوة صاحب الحق لا طالب المعونة ، لأن هذا القطاع ليس ملكا لهذا الرئيس أو ذاك ولا لهذا الوزير أو ذاك حتى يتذمروا من مشاكله وأزماته الذين هم جزءا من أزمته ، ويترتب على هذا التفاف الصحفيين جميعا حول نقابتهم فنحن للأسف نتذكر النقابة وقت الإنتخابات فقط ولا نذكرها مرة أخرى إلا عند الموعد الجديد للإنتخاب وهذا هو أحد أسباب ضعفها وارتباكها.

يجب أن نقر أن الكثير تآمروا على مهنة الصحافة وتركوها تغرق وتموت موتا بطيئا ، وتجلى هذا التآمر بإهمال مشاكلها بالكامل حتى كبرت وتراكمت وبدا الحل مستحيلا عند البعض.

الحكومة الحالية أدارت ظهرها للصحافة ، ولم تقدم غير الوعود التي لم تتحقق رغم أنها تمتعت بتغيير ثلاثة وزراء إعلام خلال عام واحد ، ومع هذا فإن هذه الحكومة لا تعطي أي اهتمام لملف الصحافة اللهم إلا تلك الأحاديث الطائرة من الأفكار غير القابلة للتطبيق ويحضرني الآن الفكرة التي تحدثوا عنها مؤخرا وهي فكرة إنشاء صندوق دعم المحتوى.

أيهما أولى أن يقدم الدعم للصحفي نفسه من خلال مؤسسته للمحافظة على رزقه حتى يتمكن من ممارسة مهنيته بامتياز وهو مطمئن على رزق أولاده أم تلك الأفكار التي لا تسمن ولا تغني عن أزمة طاحنة يعيشها صحفيوا الأردن ، والأزمة هنا ليست مادية فقط ولكن أيضا الصحفيون يواجهون عدم احترام من هذه الحكومة ، فرئيس الوزراء مر على تشكيل حكومته عام ولم يقم بإعطاء أي وسيلة إعلامية واحدة تصريح أو حوار ، واختار أن يتحدث للصحافة التركية والأمريكية وهذا يشير إلى مدى احترام الصحافة الأردنية عند الحكومة !!!

الإهتمام بالإعلام لا يأتي من خلال تغيير وزراء الإعلام كل أربعة شهور فتغيير الوجوه لا يعني شيئا إذا لم يكن هناك خطة قابلة للتنفيذ الفوري على طاولة رئيس الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من الصحافة الأردنية ، طبعا إذا أراد الرئيس ذلك ، خصوصا أن هذا الرئيس يظن أنه أحاط نفسه بخبراء الصحافة والإعلام ومن المطبخ الصحفي ، ولكن المعضلة أن معظم الذين تسلموا وزارة الإعلام من الجسم الصحفي كانوا وبالا على الصحافة والصحفيين رغم أنه كان بإمكانهم أن يقدموا شيئا ولو قليلا .. ولكن الواقع كان غير ذلك ، كذلك معظم من تسلموا وظيفة المستشار الإعلامي في الرئاسة لم يقدموا شيئا لمهنتهم ولم يبتعدوا عن الشللية والمحسوبية والمنافع الشخصية ونسوا الهم العام للصحفيين.

غدا يجب أن يكون بداية مرحلة جديدة عند الصحفيين ليعلنوا عن انطلاق تحرك جاد وفعال لانتزاع حقوقهم من الحكومة التي تدير ظهرها لهم ولا تبالي بالإعلام الوطني ومفتونة بإعلام الفرنجة.

الصحفيون ليسوا مسؤولين عن الحال الذي وصلت إليه مؤسساتهم ، فالمسؤولية تقع على أولائك الذين عبثوا في هذه المؤسسات وسلموا كثيرا منها لإدارات ومجالس إدارة ليس لها علاقة بمهنة الإعلام والصحافة ، ومارس هؤلاء عملهم وكأنهم يديرون شركات ربحية لا أكثر ولا أقل دون النظر إلى خصوصية هذه المؤسسات التي ربما لا يلاموا على فهم مهمتها بل يلام أولائك الذين أرسلوهم إليها فكان الفشل طالعهم.

Scroll to Top