في مثل هذا اليوم قبل قرنين دفعت أمريكا للجزائر مليون دولار مقابل حماية سفنها

Stocks5 سبتمبر 2021آخر تحديث :
في مثل هذا اليوم قبل قرنين دفعت أمريكا للجزائر مليون دولار مقابل حماية سفنها

افاق – ثقافة

كان الأسطول الجزائري خلال العهد العثماني يجوب المحيط الأطلنطي من بريطانيا وأيسلندا إلى جزر الكناري والآزورس مما جعل الدول تتسابق لكسب ودّ وصداقة الجزائر بعقد معاهدات معها حتى تضمن سلامة بحريتها وسفنها، بحسب مؤرخين.

يعدّ يوم 05 سبتمبر من كل سنة محطة تاريخية خالدة في العلاقات الجزائرية الأمريكية، يستحضرها البلدان سنويّا بصفتها ذكرى مشتركة تؤسس لجذور الذاكرة الثنائية، والتي تمتد إلى السنوات الأولى من استقلال الجمهورية الأمريكية عن التاج البريطاني عام 1783، إثر الاعتراف الرسمي بها من طرف الجزائر ضمن أول بلدان العالم، فما قصّة هذا اليوم؟

مطلع القرن 19 وصف الدبلوماسي الأمريكي ويليم شيلر قوة الجزائرية البحرية بقوله “لقد كان الجزائريون في أوجّ قوتهم وسمعتهم، حتى أن أعظم الدول البحرية كانت تطلب صداقتهم..إنهم اليوم يتباهون بأن عظمتهم البحرية لا تماثلها غير بحرية بريطانيا العظمى”.

أمريكا أكبر زبائن الجزائر

ويتفق الكتاب الأوروبيون أنفسهم على أن “نفوذ الجزائر البحري والسياسي قد امتد إلى الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط من ناحية، وإلى شواطئ أوروبا الغربية من ناحية أخرى” وفق ما سجله المؤرخ أبو القاسم سعد الله (1930/2013) بالجزء الأول من موسوعته “أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر”.

وكان الأسطول الجزائري خلال العهد العثماني يجوب المحيط الأطلنطي من بريطانيا وأيسلندا إلى جزر الكناري والآزورس، مما “جعل بحريتها وريّاسها يشكلون شبح البحار والمحيطات الذي يخيف ويطارد البحارة الأوروبيين”.

وتسابقت الدول لكسب ودّ وصداقة الجزائر بعقد معاهدات معها، حتى تضمن سلامة بحريتها وسفنها، كما تؤكده المؤرخة زكية زهرة، في عملها الأكاديمي حول “التنافس الفرنسي الإنجليزي على الجزائر 1792/1830”.

الصداقة أو الحرب

ومن أبرز تلك الاتفاقيات “معاهدة الصداقة والسلام” مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي وجدت نفسها مجبرة عقب استقلالها عن المملكة البريطانية على توقيعها إثر فشلها في تكوين تحالف أوروبي أمريكي ضدّ الجزائر.

ويقول سعد الله أستاذ الحضارة الغربية بجامعة أوكلير سابقا “حين كانت أميركا ما تزال مجموعة من المستعمرات تخضع للنفوذ البريطاني أو الفرنسي أو الإسباني عاملت الجزائر سفنها طبقا لعلم الدولة المعنية، بناء على علاقاتها معها”.

غير أن إعلان الثورة الأميركية “جعل الجزائر حرة في معاملة سفن أميركا الجديدة، وهو ما فرض عليها إما توقيع معاهدة صداقة أو مواجهة الحرب” وعوض مناشدة السلام مباشرة، فقد لجأت إلى أصدقائها الأوروبيين ليساعدوها على تحقيق ذلك، وبفشل المساعي لدى الدول الأوروبية، بدأت أميركا بزعامة الدبلوماسي توماس جيفرسون -الذي سيصبح لاحقا ثالث رئيس للجمهورية- حملة دوليّة ضد الجزائر بهدف تكوين تحالف أوروبي أميركي لمحاربتها، بحسب المؤرخ سعد الله.

دفع ذلك الجزائر إلى إعلان الحرب على أميركا والحجز على سفينتيْ “ماريا” و”دوفين” في عرض المحيط الأطلنطي (عام 1785).

وهنا لم يجد الأميركيون مخرجًا سوى فتح المفاوضات المباشرة لإطلاق سراح الأسرى المعتقلين، عن طريق تفويض بعثة جون لامب، ولكن الجزائر اشترطت 60 ألف دولار مقابل تحرير 21 معتقلا مما أدى إلى فشل المقايضة.

وعلى إثر ذلك بعث الأسرى بتقارير إلى بلادهم يقترحون “اتباع نفس طريقة الدول الأوروبية مع الجزائر، بالاعتراف لها بالسيطرة على البحر المتوسط، ودفع الجزية (حقوق الحماية)” كما جاء في رسالة أحد المعتقلين إلى جيفرسون سنة 1786.

قرار جورج واشنطن

وجاء في تقرير المبعوث لامب إلى حكومته أنه “لا طاقة للولايات المتحدة الأميركية على فرض السلام على الجزائر” أما وزير الخارجية جون آدمز فقال “الحرب ستؤدي إلى تخريب الاقتصاد، وهي ليست خطوة حكيمة” ليوافقه الرأي الرئيس جورج واشنطن.

وهذا ما فتح الباب من جديد للمفاوضات بين البلدين، بدء من عام 1791، تحت شعار “السلام بأي ثمن” خاصة بعد قبض الجزائريين على 11 سفينة أميركية أخرى على متنها 119 أسيرا، مما اضطر واشنطن إلى اعتماد 40 ألف دولار لتحرير المعتقلين، إضافة إلى 25 ألفا مستحقات سنوية للجزائر.

وبعد مفاوضات شاقة، توصل الطرفان إلى توقيع معاهدة سلام وصداقة بتاريخ 21 صفر 1210 الموافق لـ 05 سبتمبر 1795.

بنود الاتفاقية وصدى التاريخ

احتوت المعاهدة المذكورة على 22 مادة، تتعلق بشروط وتنظيم التعامل بين البلدين في التجارة وجوازات السفر والعلاقات الدولية في حالة الحرب والسلام وشؤون الملكية، ونحو ذلك.

وتطبيقا لنصّ المعاهدة، أطلقت الجزائر الأسرى الأمريكان في جوان 1796، مقابل تعهد أمريكا ببناء السفن للجزائر، ومن أهمها سفن “الهلال، حسن باشا، لالة عائشة، حمدا لله” وأخيرا “سكجولدبراند” بحسب وثائق وزارة البحرية الأميركية المطبوعة عام 1939.

ونصت كذلك على دفع أمريكا حواليْ مليون دولار، منها 21 ألفا و600 دولار مستحقات سنوية في صورة معدات بحرية للجزائر.

بينما هذه الأخيرة تتعهد بحماية التجارة الأمريكية في الحوض المتوسطي، والقيام بمساعيها أيضا لدى باشا (حاكميْ) طرابلس وتونس، لتحقيق السلام معهما لصالح الأمريكيين.

وسجّل المؤرخ الأمريكي إروين إبرامز في كتابه “تاريخ العلاقات الدبلوماسية الأمريكية البربروسية” ما يلي “ولئن كانت هذه المعاهدة مع الجزائر تتضمن تضحية في الكرامة القومية للولايات المتحدة الأمريكية، ومرهقة لماليّتها، فقد كانت لها على الأقل 3 فوائد رئيسية، على رأسها إقامة سلم مع أقوى بلدان المغرب وأخطرها شأنا”.

ويقول المؤرخ التركي يلماز إيزتونا في كتابه “تاريخ الدولة العثمانية” إنّ تلك الوثيقة “هي المعاهدة الوحيدة باللغة الأجنبية (غير الإنجليزية) التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأميركية خلال تاريخها، وفي ذات الوقت هي الوحيدة التي تعهدت فيها بدفع ضريبة سنوية لدولة أجنبية”.

من جانبه، يعتبر المؤرخ والأكاديمي الجزائري محمد الأمين بلغيث معاهدة السلم بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية “حصيلة طيبة لعلاقات متوترة بين البلدين”.

وأوضح أنها لا تعود إلى اعتراف الجزائر بثورة جويلية 1776 فحسب، بل كانت أميركا من الضعف بحيث أعطت لغيرها حماية سفنها التجارية بالحوض الغربي للمتوسط.

وقال في حديث للجزيرة نت إنّ عقْد السلم الجزائري الأميركي عام 1795 شكّل محطة جديدة في العلاقات بين الدولتين حتى 1816، حين تغيرت موازين القوى بالنسبة للطرفين.

وأضاف بلغيث أنّ العلاقات الجزائرية الأميركية تبقى بصماتها التاريخية خاصة، فلا يمكن بالمرة أن ينسى الجزائريون دور جون كينيدي في الاعتراف بالقضية الجزائرية، سيناتورا ثم رئيسًا، والإعجاب الشديد لأبراهام لينكولن بشخصية الأمير عبد القادر الجزائري.

ثم تتويج هذه العلاقات بالدور الكبير للجزائر المستقلة في فكّ معضلة الدبلوماسيين الأميركيين في إيران مطلع ثمانينات القرن الماضي، مما يعكس صورة الدبلوماسية الجزائرية تجاه أميركا، على حدّ تعبيره.

وأكد أنّ العلاقات الجزائرية الأميركية حاضرة في حوليّات وكتب الجزائريين بشكل متميز، من خلال مذكرات رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، خاصة مرحلة الثورة الجزائرية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه