منبر الكلمة

إبراهيم شاهزادة: صوت الإعلام الأردني ورحلته عبر “دفتر الذاكرة

المهندس عماد الشبار.. تلك الايام
إبراهيم شاهزادة يُعتبر من أعمدة الإعلام الأردني الذين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ الإذاعة والتلفزيون بالمملكة. بصوته المميز ورؤيته الواضحة، كان شاهزادة أول من قدم نشرة الأخبار الرسمية التي استقبلها الأردنيون عند انطلاق التلفزيون الاردني عام 1968 ، ليصبح بذلك شاهدًا على أهم الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية على مدار عدة عقود.
ولد إبراهيم شاهزادة عام 1937 في مدينة الزرقاء الأردنية لعائلة ذات أصول بنجابية وأم من الناصرة الفلسطينية. انتقل إلى عمان في طفولته ودرس في مدرسة المطران، حيث تشكلت بداياته الفكرية والثقافية.
بدأ مشواره الإعلامي مبكراً في عام 1959، حين أسست الإذاعة الأردنية، وكان من أوائل المذيعين الذين ساهموا في رسم معالم الإعلام الأردني الحديث.
قبل عودته إلى الأردن، عمل شاهزادة في عدة مؤسسات إعلامية عربية ودولية، من بينها تأسيس القسم العربي في الإذاعة الإيرانية بالأحواز، والعمل في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في لندن، حيث اكتسب خبرات عالمية في مجال الإعلام الإذاعي والتلفزيوني.
بعد عودته إلى الأردن، تقلد عدة مناصب قيادية، من بينها مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية، ونائب رئيس لجنة الأخبار في اتحاد إذاعات الدول الأوروبية، وهو المنصب الذي جعله أول إعلامي عربي وغير أوروبي يشغل هذا المنصب.
تميز شاهزادة بعمق معرفته السياسية والإعلامية، حيث رافق الملك الحسين في جولات خارجية مهمة، وغطى فعاليات تاريخية وأحداثاً أمنية معقدة، منها أحداث 1970 وحرب 1973 على الجبهة السورية، بالإضافة إلى كونه جزءًا من التغطيات الإعلامية لأحداث محلية وإقليمية بارزة.
يُعد كتاب “من دفتر الذاكرة” وثيقة شخصية وتاريخية توثق مسيرة شاهزادة الإعلامية وحياته الشخصية. يصور الكتاب بدايات الإعلام الأردني من خلال عيون شاهزادة، حيث يقدم سرداً تفصيلياً لرحلاته المهنية، وتجاربه مع استخدام تقنيات البث المباشر، والتحديات التي واجهها في نقل الأخبار عبر أزمنة كانت التكنولوجيا فيها محدودة للغاية.
يتناول الكتاب بعمق رحلات الملك حسين الرسمية في أوروبا، ورؤى شاهزادة في كيفية تغطية هذه الأحداث الإعلامية الكبرى، إضافة إلى سرد مباشر للأحداث السياسية والأمنية التي شهدها، خصوصاً تغطيته لحرب 1973 وأحداث 1970 في الأردن. كما يسلط الكتاب الضوء على التطور التقني في وسائل الإعلام الأردني، والدور الذي لعبه شاهزادة في تحديث وتطوير أساليب البث.
الكتاب لا يقتصر على سرد الوقائع فقط، بل يدمج بين المذكرات الشخصية، والوصف الاجتماعي للحياة في عمان والزرقاء، مما يجعله مرجعاً مهماً لفهم واقع الإعلام في الأردن في النصف الثاني من القرن العشرين.
لم يكن شاهزادة مجرد صوت إخباري، بل كان من أوائل من قدموا برامج إعلامية في الإذاعة الأردنية، حيث عمل على إعداد وتقديم برامج ثقافية واجتماعية كان لها وقع كبير على المستمع الأردني والعربي.
اضافة لتقديم نشرات الاخبار فقد قدم برامج حوارية وتحليلية تناولت السياسة العربية والإقليمية، حيث كان شاهزادة محللاً نابهاً يشرح تعقيدات المشهد السياسي بأسلوب واضح وموضوعي.
التغطية المباشرة للأحداث الكبرى، مثل زيارات القادة الدوليين للأردن، وحروب الشرق الأوسط، والتي أعطت الجمهور فرصة متابعة التطورات لحظة بلحظة.
كما ساهم في تطوير البنية التحتية للإذاعة والتلفزيون، حيث كان له دور في إدخال تقنيات البث المباشر لأول مرة في الأردن بعد انشاء المحطة الارضية للاقمار الصناعية في منطقة البقعة.
على المستوى الرسمي، كرّمت المملكة شاهزادة بمنحه وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، تقديراً لخدماته الإعلامية التي ساهمت في بناء وعي المجتمع الأردني وتعزيز مكانة الأردن في المحافل الإقليمية والدولية.
إبراهيم شاهزادة هو أكثر من مجرد إعلامي؛ هو شاهد على حقبة مهمة من تاريخ الأردن الحديث، وراوي لأحداث غيرت وجه المنطقة. كتابه “من دفتر الذاكرة” ليس فقط مذكرات، بل هو توثيق حي لمرحلة تشكلت فيها هوية الإعلام الأردني، ومسيرة أضاءت عبرها الشاشات والمذياع لتصل إلى كل بيت أردني.
صوته، الذي رافق الأجيال، سيبقى رمزاً للإعلام المهني الملتزم، ولحكاية إنسانية مليئة بالعطاء، رغم كل التحديات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى