ذاكرة الاعلام

مروان المجالي نغمة الصوت الإذاعي الدافئ في ذاكرة الأردنيين

#اعلاميون_اردنيون

عند الحديث عن الإذاعة الأردنية هنالك أسماء لا تُنسى، وأصوات ما زال صداها يعيدنا إلى زمنٍ كانت فيه الكلمة مسؤولية، والمذيع مثقفًا يُصغي الناس إلى فكره قبل صوته. من بين هؤلاء الذين تركوا أثرًا لا يُمحى، يبرز اسم مروان المجالي (أبو أحمد)، الذي شكّل حضوره الإذاعي جزءًا أصيلًا من ملامح “العصر الذهبي” لإذاعة عمّان.

وُلد مروان المجالي عام 1955 في بلدة أم قيس بمحافظة إربد، حيث كان عمل والده سببًا في تنقّل العائلة في أكثر من منطقة. تلقّى دراسته الابتدائية في مدارس إربد، ثم انتقل إلى القصر في محافظة الكرك، حيث أنهى تعليمه الثانوي عام 1973. ومنذ سنوات دراسته، كان ميّالًا إلى اللغة العربية والشعر والمطالعة، وهي الميول التي رسمت لاحقًا ملامح طريقه المهني.

في عام 1975، حصل على دبلوم في اللغة العربية من كلية مجتمع حوارة في إربد، ليبدأ مشواره العملي معلّمًا في وزارة التربية والتعليم. لم يمكث طويلًا في قاعات الصفوف، إذ سرعان ما جذبته الصحافة، فالتحق محرّرًا للأخبار في صحيفتي الرأي والدستور وصوت الشعب، قبل أن يجد نفسه أخيرًا في المكان الذي أحبّه ووجد فيه ذاته: الإذاعة الأردنية، حيث التحق بها عام 1978.

في الإذاعة، بدأ المجالي من المساحة الأقرب إلى وجدانه: البرنامج الوجداني “شِعر وموسيقى”، الذي عُرف بين المستمعين كأحد أجمل البرامج الليلية، حيث كانت موسيقى الهدوء تلتقي بالشعر الرقيق والصوت الدافئ. وقد امتاز البرنامج بمزجه بين الذائقة الأدبية الرفيعة والأداء الإذاعي الهادئ، فشكّل حالة فنية فريدة في المشهد الإذاعي الأردني. تناوب على تقديمه عدد من الأصوات المميزة مثل بتول عباسي، زهور الصعوب، ضياء فخر الدين، لكنّ مروان المجالي ظلّ أحد أعمدته إعدادًا وإخراجًا وصياغةً، لما كان يمتلكه من حسّ أدبي رفيع وذوق موسيقي رقيق.

ومع مرور السنوات، اتسعت مساحة حضوره، فأعدّ وقدم عددًا من البرامج التي باتت مألوفة لدى المستمع الأردني، مثل:
“مساء الخير” الذي كان يطلّ على الجمهور بجرعة تفاؤل وأمل،
“آخر المشوار” الذي تناول محطات مضيئة من حياة الناس،
“حول مائدة السحور” في الشهر الفضيل الذي جمع بين الروحانية والدفء الأسري،
“صحافتنا قبل الطبع” الذي كان يتناول قضايا الصحافة المحلية بالنقاش والتحليل،
لقاء الظهيرة” الذي مثّل مساحة حوارية راقية مع شخصيات وطنية وثقافية.
“معرض الالحان”كان برنامجًا فنيًا موسيقيًا يُعنى بعرض وتقديم الألحان والأغاني الأردنية والعربية، مع تسليط الضوء على الملحنين والمطربين وأعمالهم الجديدة بأسلوب يوثق الحركة الفنية ويعرّف الجمهور بالمواهب الموسيقية.

مروان المجالي كان صوتًا مثقفًا يحمل مضمونًا ورسالة، امتاز بلغته السليمة، وثقافته الواسعة، وقدرته على تحويل النص الإذاعي إلى تجربة وجدانية تترك أثرها في المستمع. كان يرى في الإعلام رسالة مقدسة، لا مجال فيها للمجاملة أو التفاهة، بل مسؤولية أخلاقية ووطنية يجب أن تُؤدى بصدقٍ وإخلاص.

إلى جانب عمله البرامجي، شارك المجالي في تغطية العديد من المناسبات الوطنية والاحتفالات الرسمية، فكان صوته حاضرًا في الأحداث الكبرى التي عاشها الأردنيون، بصوته المهيب ونبرته المفعمة بالانتماء. ومن خلال ذلك، أسهم في ترسيخ دور الإذاعة بوصفها منبرًا للوحدة الوطنية وذاكرة للوجدان الجمعي الأردني.

امتاز بشخصية ودودة وعلاقات اجتماعية طيبة مع زملائه في الوسط الإعلامي، فكان محط احترام ومحبة كل من عرفه. ومع أنه لم يسعَ يومًا إلى الأضواء، فإن حضوره ظلّ قويًا ومحبوبًا، وصوته مألوفًا في بيوت الأردنيين الذين ألفوا سهراته وأحاديثه ودفء كلماته.

ورغم تفرغه للإذاعة، بقي المجالي وفيًّا لجذور الثقافة العربية الأصيلة، يستشهد بالشعر في حديثه، ويكتب نصوصًا أدبية ذات نكهة وجدانية. وقد نقل هذا الحس الإنساني إلى الأثير، فكان صوته يجمع بين حزم المذيع ورهافة الشاعر، وبين جدّية المثقف وبساطة الإنسان.

لكنّ رحلة العطاء الطويلة هذه لم تخلُ من المتاعب؛ ففي أواخر مسيرته المهنية، تعرّض مروان المجالي لوعكة صحية أقعدته عن العمل لفترة طويلة، قبل أن يرحل عن الدنيا في السابع عشر من تشرين الأول عام 2022، تاركًا خلفه سيرةً عطرة وإرثًا ثقافيًا وإعلاميًا كبيرًا.

رحل مروان المجالي تاركًا لزملائه ومحبيه إرثًا من الصوت الهادئ والفكر المتوازن والموقف الوطني الأصيل. رحل عن الإذاعة التي أحبّها، لكنها لم تنسه، إذ بقي صوته جزءًا من ذاكرتها الذهبية، يُعيد إلى الأذهان زمنًا كانت فيه الإذاعة الأردنية منارةً للثقافة والفكر والوجدان.

إن سيرة مروان المجالي هي حكاية جيلٍ من الإعلاميين الذين صنعوا الهوية الإذاعية الأردنية بجهدٍ وإيمان، دون بهرجة ولا شهرة، بل بكلمةٍ صادقةٍ خرجت من القلب لتصل إلى القلوب. ومن خلال عطائه، يبقى مثالًا للمذيع الحقيقي الذي جسّد مقولةً ظلّ يرددها دائمًا:
“للإعلام رسالة، وللكلمة شرف، ومن لا يقدّرها لا يستحق أن يحملها.”
عماد الشبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى