
الدكتورة المحامية ثروت الحلواني تكتب ..دراسة تحليلية
يعود مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي داخل مناطق البلديات لعام 2025 إلى الواجهة، حاملاً معه جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والاقتصادية والمجتمعية، نتيجة لاشتماله على اختلالات جوهرية تمس جوهر العدالة الضريبية، والمبادئ الدستورية التي يفترض أن تُبنى عليها التشريعات.
ورغم أن القانون يُطرح تحت عنوان “تحديث المنظومة الضريبية” و”تحقيق العدالة”، إلا أن القراءة التحليلية لنصوصه تكشف عن فلسفة جبائية مجحفة، تفتقر للتوازن بين مصلحة الدولة وحقوق المواطنين، كما تتجاهل المعايير الأساسية في التشريع، وعلى رأسها الرقابة، الشفافية، والمشاركة المجتمعية.
فلسفة القانون: تحسين الإيرادات أم تكريس المركزية؟
من الناحية النظرية، يهدف المشروع إلى رفع كفاءة البلديات في تحصيل الإيرادات، من خلال ربط الضريبة بالقيمة السوقية الفعلية للعقارات، وتحفيز الاستخدام الأمثل لها، إلى جانب تحسين أدوات التحصيل. ولكن في التطبيق، تتجلى فلسفة ضريبية قائمة على التقدير الأحادي من قبل السلطة التنفيذية، دون وجود ضمانات كافية لمنع التعسف، أو مراجعة فعلية من المتضررين.
يُمنح وزير الإدارة المحلية، بموجب المشروع، صلاحيات واسعة لإصدار التعليمات التنفيذية دون رقابة برلمانية، ما يعد مخالفة صريحة لمبدأ الفصل بين السلطات، ويخلق تشريعات موازية خارج نطاق السلطة التشريعية.
اختلالات في صلب المشروع
1. تقديرات غير عادلة لقيم العقارات، لا تأخذ بعين الاعتبار الحالة الفعلية للبناء، أو سنوات استخدامه، أو ما إذا كان العقار مشغولًا أو مهجورًا.
2. غياب المشاركة المجتمعية في صياغة مشروع القانون، وعدم إشراك ممثلي القطاعات المتأثرة في تقييم الأثر المالي والاجتماعي.
3. تعميق المركزية في تقدير القيم والتحصيل، على حساب الحكم المحلي والمجتمعات المحلية.
4. إضعاف حق الاعتراض والطعن من قبل المواطنين نتيجة غموض الآليات التنفيذية.
5. تهديد السلم الاجتماعي بسبب تحميل الطبقات الوسطى والمتدنية أعباء مالية جديدة، في ظل غياب حماية للفئات الأضعف.
التوصيات: نحو قانون عادل ومتوازن:
انطلاقاً من التحليل أعلاه، تبرز مجموعة من التوصيات الملحّة:
• سحب مشروع القانون بصيغته الحالية، نظراً لاشتماله على مخالفات دستورية واختلالات هيكلية.
• إطلاق حوار وطني شامل، يضم ممثلين عن القطاع الخاص، المجتمع المدني، النقابات، وخبراء الاقتصاد والقانون.
• إعادة النظر في آلية التقدير الإداري، واعتماد مسوحات ميدانية مشتركة بمشاركة ممثلين عن المجتمعات المحلية.
• اعتماد نظام خصومات مرن يراعي قدم البناء، حالته الفعلية، ونسبة إشغاله.
• إلغاء التفويض المطلق للوزير في إصدار التعليمات التنفيذية، وإخضاعها لرقابة البرلمان أو القضاء.
• تدريج تطبيق الضريبة الجديدة لتفادي الصدمة المالية على المواطنين.
• توسيع الإعفاءات أو تخفيض الضريبة عن المساكن الأساسية للفئات غير القادرة.
سؤال هام جدا …
بين الدولة والمجتمع… من يحمي العدالة؟
إنّ بناء تشريع ضريبي عادل لا يتم عبر غرف مغلقة، ولا عبر نصوص تُمرر دون رقابة أو نقاش. بل يتطلب إرادة حقيقية للإصلاح، ورؤية تشاركية تحترم المواطن وتستند إلى الدستور.
إنّ مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي لعام 2025 بصيغته الحالية لا يحقق ذلك، بل يُهدد بزيادة الاحتقان، وتوسيع الفجوة بين الدولة والمجتمع.
لهذا، فإنّ سحبه، وإعادة صياغته عبر حوار وطني موسع، لم يعد خيارًا، بل ضرورة تشريعية واجتماعية.








