ذاكرة الاعلام

زهور الصعوب: صوت الإذاعة الأردنية الذي همس في القلب

#اعلاميون_اردنيون

زهور عبد الكريم الصعوب، أحد أنقى الأصوات في ذاكرة الإذاعة الأردنية، تميزت بعذوبة نبرتها ورقة حضورها خلف المايكروفون. لم تكن مجرد مذيعة، بل كانت صوتًا ينساب إلى آذان المستمعين كالموسيقى الهادئة، يحمل الكلمة بوقارٍ وألفة. في زمن كانت فيه النبرة تسبق المعنى، شكّلت زهور علامة فارقة في وجدان المستمع الأردني، بصوتها الدافئ الذي أحيا الأثير، وجعل للكلمة حياة.

ولدت زهور في الأردن، ورغم عدم توفر توثيق دقيق لتاريخ ومكان ولادتها، إلا أنها التحقت بالإذاعة الأردنية في السبعينات ، ضمن جيل إعلامي رائد حمل مشعل الكلمة في زمن كانت فيه الإذاعة النافذة الأولى إلى الوعي والذوق العام. لم تكن زهور مذيعة بالمعنى التقليدي، بل كانت صوتًا أدبيًا شاعريًا عرف كيف يتسلل بهدوء إلى قلوب المستمعين.

كان صوتها أشبه بقطعة موسيقية رقيقة، منخفض النبرة، ناعم الإيقاع، لكنه مشحون بالإحساس والصدق. حين تتحدث، تشعر أنك أمام نص نثري يُقرأ بشجن، أو قصيدة تُلقى بدون قافية، لكن بقلبٍ نابض. لم تكن تُعلن عن نفسها، بل تدع صوتها يُخبرك بكل شيء: ثقافتها، تهذيبها، احترامها للمستمع، وحبها لما تقدمه.

على مدى سنوات عملها، ارتبط اسم زهور بعدد من البرامج الوجدانية والدينية والثقافية، التي لم تكن مجرد محتوى إذاعي بل لحظات استماع خاصة:
برنامج “شِعر وموسيقى”
وهو من أبرز ما قدمته زهور الصعوب، وكان يُبث في ساعات الليل، جامعًا بين القصيدة والمقطوعة الموسيقية. بفضل صوتها الحالم، تحوّل البرنامج إلى مساحة وجدانية ينتظرها المستمعون ليستمعوا للشعر وقد أُلبس حلة من الشجن الموسيقي.

“نسمات أردنية”
برنامج وجداني صباحي أو مسائي، امتاز بروح تأملية وأدبية، حيث كانت زهور تلقي خواطر قصيرة أو مقتبسات، مرفقة بموسيقى خلفية هادئة.

“آلاء تسبّح الله”
برنامج ديني – تأملي، مزجت فيه بين التلاوة القرآنية والأحاديث النبوية والتأملات الروحية، لتضفي على المستمع حالة من السكينة.

الأدعية والفواصل الدينية والوطنية
قدمت الكثير من الأدعية بصوتها الرقيق، حيث أضافت إليها شجنًا خاصًا جعلها تعلق في ذاكرة المستمع. كما كُلّفت بتسجيل فواصل نثرية أو شعرية في المناسبات الوطنية، محوّلة الكلمات إلى لحظة وجدانية خالدة.

ورغم رهافة حضورها الصوتي، فإن زهور لم تكن شاعرة أو أديبة بالمعنى المباشر، لكنها امتلكت حسًا وجدانيًا عاليًا مكنها من اختيار النصوص وإلقائها بروح مؤثرة. كانت تدرك أن الصوت الطيب رسالة قائمة بذاتها، وأن الكلمة حين تُلقى بصدق تكفي لتصل إلى القلوب بلا زيادة ولا مبالغة.

في 3 أيلول 2022، رحلت زهور الصعوب بهدوء يشبه صوتها، لكن رحيلها شكّل خسارة كبيرة للمشهد الإعلامي الأردني. نعاها زملاؤها وأصدقاؤها، وكتبوا عنها بكلمات مؤثرة. قالت إحدى زميلاتها:
“رحلت زهور… لكنها لم تُغادر الصوت الذي علمنا كيف نصمت حين نسمعه.”

زهور الصعوب لم تكن إعلامية بصخب، ولا نجمة بشروط الشهرة، لكنها كانت صوتًا راسخًا في ذاكرة الأثير الأردني. لا يُنسى صوتها في دعواتها وأدعية رمضان، ولا همساتها في ليالي الوطن، ولا حضورها في برنامج “شعر وموسيقى”. لقد جسدت نموذجًا لمذيعة آمنت أن الرقي في الإعلام لا يصنعه الاستعراض، بل الصدق والبساطة والعمق.

في زمن تغيّرت فيه معايير الصوت والكلمة، تبقى زهور الصعوب أنموذجًا خالدًا لإعلامية أدّت رسالتها بصوتها، وعاشت في الظل لكنها زرعت فينا الضوء.

عماد الشبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى