
عوض ضيف الله الملاحمة
لا يغيب عن البال ان الغالبية العظمى — إن لم نقُل — ان كافة الشعب الأمريكي من المهاجرين ، اي انهم ليسوا امريكان بالأصل ، ومعظمهم من أصول أوروبية ، قبل بدء الهجرة الحديثة ، حيث تقاطر على أمريكا الناس من كل أصقاع الدنيا . بعد الإبادة الجماعية للهنود الحمر ، السكان الأصليين ، حيث إنحصر عددهم بحوالي ( ٤,١ ) مليون نسمة ، يشكلون حوالي ( ١,٥ ٪ ) من السكان ، ويتقسمون على ( ٥٥٦ ) قبيلة ، معترف بها فيدرالياً . ويتوزعون بين ولايات : الاسكا ، وأوكلاهوما ، ونيو مكسيكو . وأصبح التواجد الكثيف للهنود الحمر في المكسيك حيث يقدر عددهم بحوالي ( ١٠ ) ملايين نسمة.
لهذا السبب ، لا ينتمِ سكان امريكا اليها كما تنتمي بقية شعوب الأرض لأوطانها . الكل هاجر اليها على اعتبار انها أرض الأحلام . حيث يسعى الجميع لتحقيق مصالح شخصية ذاتية .
إنصهر الجميع في هذه البوتقة الغريبة العجيبة . ولأن تحقيق الذات هو المحور المحرك للفرد ، الذي تصادف مع نهج مكافأة المتميز على إنجازاته ، فقد تغلغلت الصهيونية في هذا المجتمع الذي يعتبر تربة خصبة لما تنشده الصهيونية ، وبدأت تمسك بزمام الأمور ، إستناداً او ركوناً الى الدهاء الصهيوني في توظيف الأموال فأمسكت بكل الخيوط ، لدرجة ان من يود تحقيق ذاته عليه ان يكون صهيونياً بالإنتماء ، حتى تمكنت وسيطرت على مفاصل أمريكا برمتها . وتكمن سيطرة الصهيونية بسيطرتها على الإقتصاد ، والإعلام ، وتمويل الحملات الإنتخابية للسياسيين .
يشكل اليهود قوة إقتصادية كبيرة وخطيرة ، مع انهم لا يشكلون سوى ( ٢,٤ ٪ ) من السكان ، الا انهم يشكلون حوالي ( ٣٠٪ ) من الأثرياء . ولكم ان تتصرروا ان ( ٥ ) عائلات يهودية تبلغ ثروتها ( ٥٥٠ ) تريليون دولار .
أرى انه من الضروري الإشارة الى انه ليس كل اليهود صهاينة ، كما انه ليس كل الصهاينة يهود . ويمتلك اليهود الأمريكان آليات ذكية في دعم بعضهم بعضاً . حيث تأكد لي من العديد من العرب الذين يقيمون في امريكا ، ان اليهود يدعمون بعضهم بعضاً ، سواء على مستوى الأفراد ، او المنظمات . فإذا قَدِم مهاجر يهودي الى امريكا من اي بلد من العالم ، ولديه الرغبة لإقامة نشاط تجاري لنفسه ، فانه يتم تشغيله بداية لدى احد اليهود الذين يمتلكون نشاطاً مشابهاً ليتدرب ويتمكن من فهم متطلبات ذلك النشاط بإحتراف ، ثم يتم تمويله برأس المال اللازم لإقامة النشاط . فيقيم مشروعه ، وبعد نجاح المشروع ، يبدأ بتنفيذ التزاماته التي تعهد بها مقابل تدريبه وتمويله . وهذا ساعد بشكل كبير على سيطرتهم على اغلب مفاصل النشاط الاقتصادي الاميركي .
يبدو لي ان رجالات الإدارة الأميركية لا يملكون قرارتهم ، وانهم مسيرون لا مخيرون ، وان قراراتهم تتخذها الصهيونية نيابة عنهم ، لأنها هي التي اوصلتهم لما وصلوا اليه . حتى أصبحوا كما عرايس الخيوط المصرية القديمة التي تتكون من لعبة ، ترتبط اطرافها بخيوط ، يحركها ممثل يتقن تلك اللعبة .
وهناك دليل قاطع أكيد على ان السياسيين الامريكان لا يملكون قراراتهم وهم في السلطة ، ويتمثل ذلك في إختلاف تصريحات عدد من الرؤساء الأمريكان السابقين بعد مغادرتهم البيت الأبيض عن مواقفهم ودعمهم المطلق وهم في مواقع المسؤولية . وسوف أسوق لكم مثلاً واحداً لتأكيد ذلك ، ويتمثل في الإختلاف الكبير — حدّ التناقض — بين دعم الرئيس الأميركي الأسبق / كارتر المطلق للكيان الصهيوني ، وبين موقفه الذي ضمنه كتابه ( Palestine: Peace Not Apartheid ) اي : فلسطين : سلام لا فصل عنصري .
ما دفعني لكتابة هذا المقال ، فيديو إنتشر على وسائل التواصل الإجتماعي ، يسأل فيه شاباً أمريكياً بعض الأمريكيين سؤالاً مختصراً هو : أمريكا أولاً ، او إسرائيل أولاً ؟
تصوروا لو انني كأردني ، وأعيش على تراب الأردن ، وأتقلد منصباً سياسياً متقدماً ويتم توجيه سؤال لي : هل الأردن بلدي أولاً ، او البلد الفلاني الذي تربطه علاقات استراتيجية متينة مع الأردن يكون أولاً ؟ واتهرب من الإجابة ، إما بقول : ( No Comment ) ،اي لا تعليق ، او أشيح بوجهي عمن سألني ، او أُغيّر مساري مبتعداً ، اي اهرب ، وأخاف ، واتجاهل الإجابة ، وأفضلهم قال : الإثنين معاً . هل هذا منطقي ؟ هل يستقيم هذا ؟ يُستنتج من هذا عدم الجرأة على الإفصاح عن إنتمائه لبلده ، كما يدل على ان إنتمائه الفعلي هو للصهيونية التي دعمته واوصلته لما وصل اليه . خسئ هولاء العملاء ، الذين ينافقون ، بل ينتمون لكيان يعتمد في وجوده على بلادهم .
لكن ما أعاد البوصلة الى مسارها الحقيقي ، تمثل في جرأة شابين ، عندما أجاباً بجرأة ووضوح بأن : أمريكا أولاً ، وخُتم الفيديو بعبارة هزّت كياني عندما ختم المذيع بقوله : فلسطين حرّة . وهنا أقول : هل المظاهرات الصاخبة ، الجريئة ، المستمرة التي إجتاحت معظم المدن الأمريكية تنبيء بأن التغيير قادم ، ربما ؟ حتى لو بعد حين .
كما أثلج صدري ما أفصح عنه الرئيس الأميركي/ ترامب ، عندما ضغط على نتنياهو وأقنعه بإتفاق وقف اطلاق النار في غزة ، عندما قال الى نتنياهو : إنك لن تستطيع محاربة العالم كله . وهذا يدل على شيئين ، الأول : ان التغيير قادم ، بالتخلي عن دعم الكيان من قبل دول الغرب ، وثانياً : أن الرئيس الأمريكي / ترامب ، ضغط بشدة على نتنياهو للوصول الى الإتفاق ، لأنه يحرص على الكيان اكثر من حرصه على بلده أمريكا .
الصهيونية متغلغلة في الولايات المتحدة الأمريكية تغلغلاً يصعب وصفه ، وتصديقه . لذلك سيكون الإنفكاك صعباً ان لم يكن مستحيلاً . هذا عدا عن المتصهينين من المسيحيين البروتستانت وهؤلاء متعصبون أكثر من الصهاينة أنفسهم ، لأنهم ربطوا الأمر بالدين .
يستحيل ان يحدث هذا ، وينتمي المواطن الى كيان اكثر من موطنه الا اذا كان هذا المواطن تورط وارتبط في تنظيم ايديولوجي خبيث وخطير ، ومن دهاء وخبث هذا التنظيم الصهيوني ودلالة خطورته انه تغلغل في مفاصل الدولة الأمريكية وربط مصالح الأفراد والمجموعات والكيانات بالارتباط به والمحافظة على مصالحه .
المذهل انه كيف تمكن كيان مسخ مصطنع صغير قميء ان يفعل كل هذا ويسلخ مواطنين عن الإنتماء لوطنهم ويحولون إنتمائهم اليه !؟








