
بقلم: العميد (م) د. رحاب غنما
نبارك لأهل غزة وقف الحرب، ونسأل الله أن يثبت هذا الهدوء ويعيد لأهلها الحياة والأمان.
لكن سؤالًا مؤلمًا يلاحقنا منذ بداية الحرب:
لماذا تتجنب وسائل الإعلام العربية الحديث عن الدور الإنساني الكبير الذي يقوم به الجيش الأردني – وخاصة الخدمات الطبية الملكية – في مساعدة أهل القطاع؟
لقد بلغ التجاهل حدًّا جعل البعض يشكك أصلًا بوجود طواقمنا الطبية داخل غزة، وكأنها مجرّد رواية وطنية نرويها لأنفسنا!
ولا أعتب هنا على القنوات التي تسير بأجندات سياسية معروفة، بل على وسائل الإعلام العربية التي ملأت شاشاتها بتقارير من كل شبر في غزة، إلا من مستشفياتنا الأردنية هناك، التي تعالج آلاف الجرحى وتضمد جراحهم بصمت.
إننا أرسلنا شبابًا “زي الورد”، أطباءً وممرضين من خيرة أبناء الوطن، يعملون ليلًا ونهارًا في ظروف قاسية، ويجرون مئات العمليات الجراحية المعقدة، بعضها من الدرجة الثالثة في التعقيد، ويقدّمون رعاية إنسانية ترفع الرأس.
ولم نكتفِ بذلك، بل سيّرنا قوافل متكررة للأطراف الصناعية، ومعها فرق دعم نفسي للأطفال والمصابين، وعاد بعض أطبائنا بإصابات خطيرة كادت تودي بحياتهم.
فما المطلوب أكثر من هؤلاء الأبطال؟
أن يموتوا جميعًا حتى تُبثّ عنهم التقارير؟
أم أن الإنسانية لا تُقاس بعدسات الكاميرات بل بعدد المتابعين والمشاهدات؟
أصبحنا نشعر أن بعض المنصات لن تتحرك إلا إذا سال دمهم، لتصنع منه مادة إعلامية ساخنة!
قبح الله هذا التجاهل.
حقّنا أن نحافظ على سلامتهم بكل ما نستطيع، وحقّهم أن يُذكروا بالعرفان في كل منبر عربي.
فأولئك الأطباء الأردنيون لم يبحثوا عن شهرة، ولم ينتظروا مكافأة، بل حملوا واجبهم الأخلاقي والمهني والوطني بإيمان نادر.
وأنا شاهدة على تدافع شبابنا نحو غزة، تطوعًا، بعيون تفيض بالعزم والرحمة، وعقول مشبعة بحب فلسطين.
عادوا إلينا حاملين قصصًا لو جُمعت لملأت مجلدات عن البطولة والتفاني.
في النهاية، مبروك لغزة وقف الحرب، ونسأل الله أن يخفّف عن أهلها وأن يحمي أبناءنا هناك، ويعيدهم سالمين جسديًا ونفسيًا.
هؤلاء هم أبناء الأردن، جنود الرحمة الذين خدموا فلسطين كما يخدمون وطنهم، دون ضجيج ولا منّة، لأنهم يؤمنون أن الإنسانية لا تحتاج تصفيقًا، بل ضميرًا حيًّا.








