شخصيات قليلة وسرد بطيء وبراعة لغوية.. هكذا فاز هاندكه بنوبل للآداب

آفاق الاخبارية – بعد عاصفة الانتقادات السياسية التي طالت الكاتب النمساوي الشهير بيتر هاندكه، والتي وصلت إلى استبعاده من الفوز بنوبل لسنوات عديدة، عاد من جديد إلى الأضواء هذا العام بفوزه بأكبر جائزة عالمية أدبية.

وأصدر هاندكه (77 عاما) روايته الأولى عام 1966 بعنوان “الدبّور”، وفي العام ذاته لقيت مسرحيته الأسطورية “شتم الجمهور” نجاحا كبيرا خلال عرضها ضمن “أسبوع المسرح التجريبي” في مدينة فرانكفورت الألمانية.

وخلط هاندكه في بعض أعماله التي صنفت من الأكثر مبيعا فلسفة الفيلسوف الألماني نيتشه مع كلمات من أغاني الروك وجذوره السلوفينية، مستخدما حياته الخاصة أساسا لكتاباته.

وفي كتابه “الحزن وراء الأحلام.. قصة حياة” (1972) يتعامل مع انتحار والدته بطريقة أدبية صادمة وفاتنة في آن واحد، وهو ما انعكس على أسلوبه في الكتابة بجمل متعرجة، تقاطعها الأسئلة ويتخللها الرثاء والشك.

وأصدر هاندكه أكثر من ثلاثين عملا بينها رواية “خوف حارس المرمى لحظة ركلة الجزاء” (1970) وترجمها للعربية أحمد فاروق في 2001، و”كارثة كاملة” (1972)، و”الرسالة القصيرة للوداع الطويل” (1972) ترجمتها للعربيّة نيفين فائق عام 2016.

كما أصدر “المرأة العسراء” (1976)، ترجمت للعربية عام 1990، و”وزن العالم” (1977)، و”العودة البطيئة إلى مسقط الرأس” (1979)، و”موعظة سانتا فيكتوري” (1980)، “صينيّ الحسرة” (1983). التكرار (1986)، “اختبار على الإعياء” (1989)، “الشقاء العادي” و”فطر الحمقى” (2013).

بالإضافة إلى أعماله الكثيرة، ونيله كثيرا من الجوائز الألمانية والدولية، قام هاندكه بترجمة أعمال مسرحية وشعرية وروائية من الآداب اليونانية والفرنسية والأميركية. وشارك في كتابة عدة سيناريوهات لأفلام المخرج الألماني فيم فيندرر.

وبسبب مواقفه السياسية الصادمة، فقد ابتعد النقاد عن أعماله أو توخوا الحذر في التعامل معها. ورغم أنه مرّ بمراحل أسلوبية ولغوية مختلفة، ولكنه حرص على التجريب سواء في اللغة أو في صناعة المشهد، حتى أنه يمكن اعتباره الكاتب الأهم باللغة الألمانية، بعد غونتر غراس (1927 – 2015) الذي نال نوبل للآداب في عام 1999.

شخصيّات قليلة وسرد بطيء

يمتاز أسلوب هاندكه بالبطء في السرد، لاهتمامه الشديد بالتفاصيل والجزئيات الصغيرة، إذ لا توجد شخصيات كثيرة في رواياته، لذلك يبني شخصياته بعقلية الحرفيّ الذي يُريد أن يتخلّص من عمله الفنّي، ولكن كاملاً. الجُمل عنده تجعل الحياة بطيئة في جريانها، لذلك فالقماشة السردية عنده تبدو أضيق منها عند أولغا توكاركوك (الفائزة بجائزة نوبل 2018)، التي تجري رواياتها في مساحات زمنية وجغرافية وبشرية كبيرة.

هاندكه يذهب وراء الشخصيات العادية الوحيدة والمهملة التي تعاني من فرط حساسيتها وعزلتها. مرات يبدأ روايته مع شخص ميت، أو مجنون، أو أحمق، أو مجرم رقيق.. وبلغة آسرة يشعر هاندكه قارئه بوطئة التراكيب السردية وهشاشتها. لذلك يمضي بطيئا مع رواياته الصغيرة الحجم، بعكس أولغا أيضا، لأن عمله الذي يُحبّه ويُتقنه هو “التكثيف بالمحو والإخفاء. الحوار بدلاً من الوصف المجاني” كما قال مرّة في إحدى حواراته.

“إنّه يستحق الجائزة بالتأكيد”، هكذا قال كثير من النقاد بل زاد بعضهم “بل إنه يستحقها منذ عقد من الزمن على الأقل” لأعماله المؤثرة التي تميّزها براعة لغوية تستكشف محيط وخصوصية التجربة الإنسانية، كما نوّهت لجنة جائزة نوبل.

ورقم موقفه السلبي من الجائزة وما اقترفه من “حماقات سياسية غريبة”، فإن لجنة الجائزة تُريد أن تقول إنها تنحاز إلى النص الإبداعيّ فقط، وليس إلى مواقف الكاتب التي ما عاد يتراجع عنها هو أيضا. وهذا ما قد يُعرّض اللجنة مجددا للانتقادات، إذ إن المذابح بحق البشر ليست موقفا عاديا فحسب. وهذا ما قد يدفع هاندكه أيضا إلى مزيد من العزلة عن الإعلام وعن النشر.

وأصدرت منظمة حرية التعبير PEN America بيانا رسميا يدين اختيار لجنة نوبل، وقالت إنها لا تعلق بشكل عام على الجوائز الأدبية للمؤسسات الأخرى لكونها ذاتية ومعاييرها غير موحدة، ومع ذلك فإن إعلان اليوم لجائزة نوبل في الأدب لعام 2019 لبيتر هاندكه استثناء.

وتابع بيان المنظمة غير الحكومية التي تدافع عن الأدب وحقوق الإنسان وحرية التعبير “نحن نرفض قرار نوبل الذي يحتفي بالبراعة اللغوية للكاتب طالما شكك في جرائم الحرب الموثقة جيدا”، وأضاف أنه في لحظة تصاعد القومية والقيادة الاستبدادية والتضليل الواسع النطاق حول العالم، يستحق المجتمع الأدبي اختيارا أفضل من هذا.

وصرّح الفيلسوف السلوفيني الشهير سلافوي جيجيك الذي ينتقد هاندكه منذ فترة طويلة لصحيفة الغارديان البريطانية بأنه في عام 2014، دعا هاندكه لإلغاء نوبل للأدب -قائلا إنها كانت “تقديسا خاطئا” للأدب- لكن حقيقة أن ما حصل الآن يثبت أنه كان على حق، بحسب جيجيك.

وأضاف جيجيك “هذه هي السويد اليوم، فقد حصل مدافع عن جرائم الحرب على جائزة نوبل، بينما شاركت البلاد مشاركة كاملة في اغتيال معنوي للبطل الحقيقي في عصرنا، جوليان أسانج. يجب أن يكون رد فعلنا هو جائزة نوبل للآداب ليست لهاندكه، بل جائزة نوبل للسلام لأسانج”.

المصدر : الجزيرة

Scroll to Top